يومٌ في المقبرة

ومٌ في المقبرة

اليوم أهالوا عليه التراب وزادوها حتى أصبح صدر القبر لا ترى منه نعالهم في الطرف الآخر
فقلت : عجبا لأهل الفانية وكأنهم يوصدون الأبواب خوفا من الهروب ولم يعلموا أن طريقهم ما زالت مليئة بالفتن الضارية والمطبات المفترسة التي لا ينجو منها الا صاحب تقوى واخلاص ،


والأغرب من ذلك أنهم قبل زيادت التراب إلى حد مبالغ فيه وضعوا بين بلاط قبره الطين اللزج حتى لا يقوى على الهرب - حسب اعتادي - ولكنه علم آخرته وقضي أجله ولن يعود إلى الفناء من جديد . والفانون لم يعلموا إنما الرمال لكي تحميهم من عبير الانتقال إلى أول منازل الآخرة ، ليعلم الإنسان أن جسده بلا روحه لا معنى له زل هو جيفة تأكل منه الدود ولكن الروح تصعد لباريها ، فهل ستكون ريحها حلو أم قذر وأعمالها في الدنيا تحدد ذلك .


أما المشهد الآخر
فكان ممن عرفت فيهم القذارة الإنسانية والعصيان الالهي المكشوف والذي يعد من صعاليك منطقته ، وقد نزل في قبر مجاور لميتنا وكان فارغا ليطلب من المنهالين بالتراب باعلاء - شاهدي القبر - وكأن الميت قد فقد الصواب فقد يستيقظ فلا يعلم رأسه من قدميه ؛ ولكن الميت قد عريف مصيره ويبقى الأحياء ينتضرون معرفة أين تكمن رؤوسهم فيعلمونها بالعمائم حتى يسترشدوها من الأقدام .


والمشهد الآخر
أن نفسي أدانت المشا ركين ولم تدين تجنب نفسي الادانه مع أني شريكهم ، وانتقدت في فكري واعظ الناس ، وشعرت صراحة كم أن القلب قاسي يبحث عن زلات الآخرين وينسى خطيئاته التي يمسي بها ويصبح عليها ، وعلمت المعنى الحقيقي للعجب والكبر بقليل من علم مكتسب .


المشهد الأخير
بعد تثبيت ركائز القبر واعلاء شاهدي القبر ، واصرار أحد المعاقين - بمتلازمة داون - على المشاركة ، ودعاء الخطيب للميت بالرحمة والاستغفار وتجاوزالذنوب سألت عن حال الميت فقال لي احدهم : كن أخرس لا يتكلم وعمره 85 عام أعزب ولم يترك صلاة قط وعاش مسكينا ومات كذلك .


فعلمت كم اغتر الانسان بنفسه وانقلبت عنده الموازين حتى ظن أن الآخرة بعيدة مع أن القبر تحت قدميه


اللهم ارزقنا الجنة بغير حساب
واعنا على طاعتك