واقع المسلمين من خلال فتن آخر الزمان وانتقام الله من الظالمين
الحمد
لله الذي تفرد بعلم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا من خلقه ، إلا بالقدر
الذي تقتضيه حكمته جلّ وعلا ، علم ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة ،
وصلّى الله وسلّم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي أخبرنا عن كثير مما أخبره به ربه من علامات الساعة ، وحدوث الفتن في آخر الزمان ، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين .
وبعد : فإن هذه الأمة أمة مرحومة ، وهي خير الأمم ، وإليها بُعث أفضل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، وهذه الأمة هي أكثر أهل الجنة ، ووقوع الفتن فيها قَـدَر أخبر عنه الـمصطفى صلّى الله عليه وسلّم وأنه لا بد واقع { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال : 42 .
ويتعين
في مستهل هذا المقال أن أورد بعض الأحاديث الصحيحة ؛ لأنطلق منها إلى
ساحة الحديث عن هذا الموضوع ، مبتدئًا بحديث حذيفة بن اليمـان رضي الله عنه ، وهو من أصح أحاديث الفتن .
أخرج الـبـخاريّ في كتاب الفتن من صحيحه حديث حذيفة رضي الله عنه برقم (7084) قـال :
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الْـخَـيْـرِ ، وَكُنتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ،
مَـخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا
كُنَّا فِي جَاهِلِيَّـةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْـخَيْرِ،
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْـخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ )) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُـهُ؟ قَالَ: (( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنكِرُ )) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (( نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَـنَا ، قَالَ: (( هُمْ مِن جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا )) قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَ كَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ )) قُلْتُ: فَإِنْ لَــمْ يَكُنْ لَـهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: ((
فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ
شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ)).
وأخرجه مسلم كذلك في كتاب الإمارة برقم (1847) .
وأخرج مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو قبل الحديث السابق برقم (1844) قال عبدالله بن عمرو : كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ،
فَنَـزَلْنَا مَنزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ (1) ، وَمِنَّا مَن يَنْتَضِلُ (2) ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ (3) ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلَاةَ جَامِعَةً(4) ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: ((
إِنَّهُ لَمْ يَكُن نَبِيٌّ قَـبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْـهِ أَنْ
يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ
شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ
عَافِيَــتُهَا فِي أَوَّلِـهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ
تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَـةٌ فَـيُـرَقِّـقُ بَعْضُهَا بَعْـضـًا
وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ،
ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَـجِيءُ الْفِتْنَةُ ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ
هَذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ
الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَي النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ
يُؤْتَى إِلَيْهِ )) .
وهناك
حديث من أعظم المبشرات بمستقبل الإسلام يفصّل مراحل الحكم في التأريخ
الإسلاميّ ، وهو حديث يتفق مع الحديثين السابقين في بعض المعاني الواردة
فيهمـا ، وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده برقم (18406) بإسناده عن حذيفة
أيضـًا قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ
يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى
مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ ،
ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
عَاضـًّا ، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا
إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًا ،
فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ
أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ ،
ثُمَّ سَكَتَ )) .
ومن طريق أحمد : أخرجه العراقيّ في (( محجة القُرَب إلى محبة العرب )) ص (175-176) وقال : هذا حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده .
وأورده الهيثميّ في المجمع (5/188-189) وقال : رجاله ثقات .
ونقل الألبانيّ تصحيحه في (( سلسلة الأحاديث الصحيحة )) (1/34-35) وتعقبه بأن الحديث حسن وحسنه كذلك شعيب الأرنؤوط في تخريجه لأحاديث (( المسند ))(30/356) .
وتحسينهمـا له من أجل حبيب بن سالم الأنصاريّ ، مولى النعمان بن بشير رضي الله عنهمـا ، وكاتبه ، قال عنه ابن حجر في التقريب : ص (189) : لا بأس به .
وفي
خضم هذه الأحداث المتلاحقة ، والخطوب المدلهمة ، والفتن العاصفة ، يحسن
بنا أن نستلهم من هذه الأحاديث وغيرها من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض البصائر التي نهتدي بها في دياجير هذه الفتن :
1)
أن حدوث الفتن في تأريخ هذه الأمة قَـدَر إلـهـيّ - كما سبقت الإشارة
إليه - لا بد من وقوعه لِحكَم ندرك شيئًا منها ، ويغيب عنا أكثرها ،
والواجب علينا التسليم المطلق لله عز وجل في كل أمر من الأمور ، وأن هذا
داخل في عموم الابتلاء الذي كتبه المولى جلّ وعلا على هذه الأمة بصريح
قوله تعالى :
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت : 2 .
2) أن الله تعالى عافى هذه الأمة من هذه الفتن في أولها ، كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهمـا ، وستعود إلى عافيتها بعد ظهور المهديّ ، ونزول عيسى عليهمـا السلام ، في آخر الزمان ، كمـا تدل عليه النصوص الثابته ، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن مراحل الحكم في التاريخ الإسلاميّ إشارة إلى تعافي الأمة بقيام الخلافة الراشدة الثانية ، حيث قال : (( ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَـةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ )) .
وقد
كثرت النصوص الثابتة الدالة على الحياة الكريمة ، ورغد العيش ، والبركة
في الثمار ، في هذه الحِقبة المباركة ؛ حتى إن الفئام من الناس يستظلون
تحت قِحْف الرمانة (5).
3)
أن الملك العاضّ ، يتمثّل - والله أعلم - في عهود الخلافة المتلاحقة
بدءًا بالخلافة الأموية ، ومرورًا بالـخلافة العباسية ، وانتهاء بالـخلافة
العثمـانـيـة ، فإنها لـم تخل من عسف وظلم ، وإن كان الـحكم فيها
إسلامـيًّا في مجمله .
ويُستثنى من هذه العهود عهد الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، في فترة الحكم الأمويّ والخليفة المتوكّل رحمه الله تعالى في فترة الحكم العباسيّ ، ونور الدين زنكيّ ، وصلاح الدين الأيوبيّ رحـمهمـا الله تعالى بعد ذلك .
فإن
هؤلاء الخلفاء والملوك هم أعدل الولاة في تاريخ الإسلام بعد عمر بن
عبدالعزيز ، وسيرتهم مع رعاياهم كانت سيرة مَرْضِيَّـة كُتِبت فيها
التصانيف .
وقد فسر الشراح بعض جمل حديث معاذ في الفتن تفسيرًا متنوعًا .
فقال
عياض : (( المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان ، والمراد
بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن العزيز ، والمراد بالذين تعرف
منهم وتنكر الأمراء بعده ، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل وفيهم من
يدعوا إلى البدعة ويعمل بالجور )) (6) .
وقال
ابن حجر عقب إيراده كلام عياض : (( والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما
أشار إليه من الفتن الأولى ، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع عليّ ومعاوية ،
وبالدَّخَن ما كان في زمنهمـا من بعض الأمراء كزياد بالعراق ، وخلاف من
خالف عليه من الخوارج ، وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من
الخوارج وغيرهم ، وإلى ذلك الإشارة بقوله :(( الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ )) يعني ولو جار - إلى أن قال - وكان مثل ذلك كثيرًا في إمارة الحجاج ، ونحوه )) (7) .
وأما الملك الجبريّ
فأصدق الأمثلة عليه ما شهدناه ونشهده في عصرنا هذا من انقلابات عسكرية
دموية يتسلم أحد العسكر الحكم بعد ذلك بقوة السلاح ، ويسوم شعبه سوء
العذاب ، ويكبت حرّياتهم ، ويقضي على مظاهر شرع الله
تعالى ، وينهب الثروات ، ويجعل البلاد رهن تصرف أهله وعشيرته ، ويسلطهم
على أفراد الشعب وممتلكاتهم كالكلاب المسعورة ، ويمكِّن لأعداء الله وشرعه يعيثون في الأرض فسادًا .
وأبرز الأمثلة على هذا الواقع المرّ حكم القذافيّ في ليبيا ، وحكم ابن عليّ في تونس .
ومع
هذا نجد من بعض المغفلين ، وبعض علماء السوء ، وبعض المغرضين المنتفعين
من يفتي الجماهير التي خرجت تصرخ في وجوه الطغاة بعد أن قتلوا أولادهم
وإخوانهم ، وزَجُّوا بهم في غياهب السجون ، وحاربوهم في أرزاقهم ، وانتهكوا
أعراضهم ، نجد من هؤلاء جميهم من يأمرهم بطاعة هؤلاء ؛ لأنهم في نظرهم
أولياء أمورهم ، ويجب والصبر على عسفهم وظلمهم ، دون أن يُــقَـيِّـدوا هذه
الطاعة بالمعروف ، وإنمـا يطالبونهم بالطاعة المطلقة ، وهذا والله من
أعجب العجب ، وياليتهم في المقابل يطالبون هؤلاء الطواغيت بتلبية بعض
مطالب الجمـاهير العادلة .
ياللعجب !! هل يعد القذافيّ وليّ أمر المسلمين في بلاده ، وهو الذي جعل كتابه الأخضر مكان القرآن الكريم ، وقد أفتى سماحة الإمام ابن باز رحمه الله تعالى قبل ثلاثين سنة ، ومعه المجامع الفقهية بكفره .
كيف يكون هذا المجرم الأثيم وجاره المشابه له ابن عليّ من أولياء أمور المسلمين
، وهما اللذان استأصلا الشريعة الإسلامية من هذين البلدين ، وأعلنا
فيهما الكفر البواح ، واستُـبِـيـحت فيهمـا الأعراض ، وقُتِلَ فيهما عشرات
الألوف لا لشيء إلا أنهم أنكروا عليهم العسف والظلم ، ومحاربة شرع الله تعالى .
لقد
انطلق القذافيّ قبل 42 سنة في إيذاء شعبه بدعم ومؤازرة من فرعون مصر
الأوحد جمال عبدالناصر ولقد سمعته وأنا في المرحلة المتوسطة في تلك الفترة
من إذاعة صوت العرب يقول للقذافيّ الشاب المندفع المتهور : (( تركت فيكم أمين الأمة العربية )) واشتهر عنه قوله للقذافيّ كذلك : (( أرى فيك شبابي )) .
وقد يفهم بعض من لا علم له من قول النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ثُمَّ تَكُونُ مُلْكـًا جَبْرِيًّا ))
أن الملك محصور في النظام الملكيّ فقط ، وهذا غير صحيح ، فكل من تولى
ولاية بلد سواء كان رئيس جمهورية أو ملكًا أو أميرًا أو سلطانًا ، فإن
ولايته يُطْلق عليها اسم الملك .
والأنظمة الملكية في مجملها أرحم بشعوبها من الرؤساء الانقلابين ، فملك ليبيا محمد بن إدريس السنوسيّ كان حافظـًا لكتاب الله
تعالى ، حريصـًا على نشر تعليمه عن طريق ألوف الزوايا في المدن الليبية
وقراها ، وكان محبوبـًا من شعبه ، وقد اختاره هذا الشعب وبايعه ، فانقلب
عليه القذافيّ وحوّل ليبيا إلى جحيم لا يطاق وعاش الملك السنوسيّ في
المنفى ، وحين مات دفن في البقيع تنفيذًا لوصيته بذلك ، رحمه الله تعالى .
وقارن
بين النظام الملكيّ في العراق وبين النظام الجمهوريّ الذي جرّ على البلاد
الويلات والمصائب والكوارث إلى وقـتـنا هذا .
وليس النظام الملكيّ مبرءًا من العسف والظلم ، ولكن الأمر نسبيّ ، ومعظم الأنظمة الملكية داخلة في الملك الجبريّ .
وإني لأسأل الله تعالى أن نكون في آخر فترة الحكم الجبريّ الذي اصطَـلَت به أكثر بلاد العالم الإسلاميّ { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (21) سورة يوسف .
إن هذا الحكم الجبريّ ضرب بجرانه على بلاد المسلمين
بعد سقوط الخلافة العثمانية حينما ضعفت وت مر عليها الغرب بمختلف
مؤسساته ، وشرعوا في تقسيم العالم الإسلام إلى دويلات ليسهل التحكم فيها
والسيطرة عليها ، والتحريش بينها .
ولقد كان أمير الشعراء أحمد شوقيّ رحمه الله تعالى ملهمـًـا حين قال في آخر مرثيته البديعة لهذه الخلافة ( :
لقد
لـخص هذا الشاعر الفحل ما جرى بعد سقوط الحكم العثمانيّ من إقصاء للدين ،
ودعوة لتغريب وتمزيق للشعوب إلى دويلات تدين للغرب ، أُذكيت فيها
الخلافات والنعرات ، وأصبح لكل حاكم هَتَّافة للتهريج ، وَجَوْقَــة من
علماء السوء ، يفتون على مراده ترغيبًا أو ترهيبـًا ، وأصبح هوى النفوس
وأحقادها وكيدها هو المهيمن على كل موقف إلا ما رحم الله تعالى .
4) على الحكام في جميع بلاد المسلمين
- وإن كان لا يصل هذا الخطاب إليهم - أن يتصالحوا مع شعبوهم ويرفعوا
عنهم الظلم والقهر والاستبداد ، وأهم من ذلك يجب أن يحكموهم بالعدل ،
ويشاوروا عقلاءهم يسمعوا منهم .
وليعلم هؤلاء الحكام أن زمن حكم الفرد الذي يقول لشعبه بلسان الحال أو المقال : { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } غافر : 29 ، قد ولى أو كاد ، وكأن أمير الشعراء قد قصد هذا الحقبة بقوله مخاطبًا فرعون مصر الأكبر (( توت خنع آمون )) (9) :
وليعلم الحكام أن أسلحة جديدة يستعملها خصومهم في المعركة يصعب عليهم استيعابها والسيطرة عليها بل يستحيل ذلك في كثير من الأحيان .
إنها أسلحة الإعلام الجديد ، وفي طليعتها الفضائيات التي كشفت وتكشف كل مستور ، وتعري كل إجرام ، وتفضح ما يحوكه المتآمرون في دهاليز الغدر ، في أسلوب مثير يدعو إلى الدهشة والإعجاب .
وساعد الفضائيات على هذا الزخم الهائل أسلحة الإعلام الأخرى المرتبطة بشبكة المعلومات ((الأنترنت)) مثل الفيسبوك ، واليتيوب ، والتويتر وغيرها .
ولقد
أصبح ما تمارسه الأنظمة القمعية من تعتيم على ارتكاب الإبادة والفساد
أمرًا مكشوفــًا للقاصي والداني ، وأصبحت الفضائح تلاحق هؤلاء الحكام
وزبانيتهم ، ويكاد يشاهدها الناس في كل مكان .
ولقد ألـهـبت هذه الأسلحة غضب الشعوب المقهورة المظلومة ، وأسهمت في توحّد صفوفهم ، وأوصلت كلمـات أهل الرأي والحكمة والعلم إليهم .
لذا
يجب على العلماء ألّا يقفوا موقف المتحيِّـز إلى الحكام ، وأن يناصحوهم ،
فهم السدّ المنيع الذي يمنع الحاكم من تسلطه على رعيته ، ويظمنون للرعية
وصول حقهم إليهم بمشيئة الله تعالى إذا صدقوا واتقوا ربهم .
إن
معظم علمـاء اليوم بين متحيِّـز إلى الأنظمة ، وبين مغلوب على أمره ،
يلوذ بالصمت ، ولا يملك إلا أضعف الإيمـان ، وما أقلّ الذين ينطقون بالحق ،
ويقولون لـهـؤلاء الحكام : اتقوا الله تعالى .
5)
على الشعوب التي تنتفض على الظلم والظالـمين أن تنتبه للمؤامرات
العلقميّـة ؛ فابن العلقميّ الرافضيّ الذي اسهم في إسقاط الخلافة العباسية ،
يتكرر في غالب الأزمنة والأمكنة :
ومن
أبرز العلاقمة : المندسون المتلصِّصون الذين يسرقون الثورات ليتمكنوا من
سرقة الثروات ، وإشاعة الفواحش والشهوات ، وتمكين أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم ؛ ليحتلوا بلاد المسلمين وينهبوا خيراتها ويتحكموا في مفاصلها .
وصمام
الأمان من كل ذلك يتحقق في إحياء شعيرة الجهاد في الأمة ، وهو الأمر الذي
أجمعت ملل الكفر ولا سيما حكومات الغرب على محاربته ، وسموه إرهابـًا ،
وأطلقوا أبواق إعلامهم تردد هذه المفتريات ، وأقنعوا أذنابهم من حكام
العالم الإسلاميّ بهذا المكر الكُبـَّار ، واستغل هؤلاء الأذناب التصرف
الأرعن الصادر عن بعض الغلاة الذين يرتكبون حوادث التفجير والتدمير في بلاد
المسلمين ، فاندفعت آلة إعلامهم تُردِّد هذا المصطلح حتى كاد الصُّمّ أن يستغيثوا من هذا التكرار السَّمِـج .
وفي المقابل نجد كثيرًا من المعنيـّيـن بإصلاح الأمة والدفاع عن حياضها يتحرّجون من إطلاق مصطلح
(( الجهاد )) ويستبدلونه بلفظ (( المقاومة )) حتى لا يُـتَّـهَموا بالإرهاب ، وهذا ولا ريب انهزام نفسيّ!
إن مصطلح الجهاد أمر أَبْدَأَ الله فيه وأعاد في كتابه الكريم ، وفي سنة نبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم مئات الأحاديث في فضله ، وأنه ذُرْوة سنام الإسلام ، وما تركه قوم إلا ذلّوا ، ولا حماية لبيضة الإسلام وديار المسلمين
إلا به ، كل ذلك وردت فيه الأحاديث الصحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما
، بل أُلِّفت في الجهاد وأحكامه الكتب الكبيرة والأسفار المتعددة ، ومثل
هذا المقال القصير يضيق عن إيراد شيء منها .
إن ما يجري في ليبيا الآن ليس ثورة شعبية ، إنما هو جهاد في سبيل الله
بحقّ ، بين شعب مظلوم ونظام عُـبيديّ باطنيّ كافر ، وإننا لنفرح كثيرًا
حين نرى هؤلاء المجاهدين يسجدون في الطرقات شكرًا لله على نصره لهم ، ولا
تسمع مع زخَّات الرصاص وهدير المدافع والرشاشات إلا صيحات التكبير ،
ويحملون المصاحف ويصلون في الميادين المكشوفة .
إن
هؤلاء المجاهدين هم أحفاد المجاهد البطل (( عمر المختار )) الذي مكث أكثر
من عشرين سنة يجاهد الغزاة الطليان ، ولَطَالما كبَّدهم الهزائم
الـمتـتالية ، ولم ينالوا منه إلا بالطرق الغادرة ، ونحسب أنه لقي ربه
شهيدًا ، وهو يقول ثابتًا كالطود بكل شموخ وعزة وإباء : (( نحن لا نستسلم ، نـنـتصر أو نموت )) .
إن
هؤلاء الأحفاد يستلهمون من سيرته جهادهم ضد هذا الأهوج الغاشم الظالم ،
المنتهك لكل الحرمات والذي لم يبق له إلا أبناؤه والمـأجورون من فلول
أنصاره والمرتزقه من أصحاب الذمه الـخَرِبة ، الذين استقطبهم لقتل الأبرياء
من الشيوخ والنساء والأطفال .
وهذا ليس غريبـًا على رجل أمه يهوديه (10) - كمـا ذكرت ذلك صحيفة النهار البيروتية في أول أسبوع من ثورة الفاتح كمـا سماها - وهو يدعو إلى إعادة الحكم العبيديّ الباطنيّ .
وكأني بأمير الشعراء الـملهم يخاطب هـؤلاء المجاهدين الأشاوش في مرثيته لأستاذهم الـمجاهد العملاق عمر المختار رحمه الله تعالى بقوله (11) :
إن
إخواننا الفتية المجاهدين في ليبيا الآن ينقدون رجالهم ، ويختارون
زعماءهم لحسم المعركة مع هذا السفاح المهلوس وجنده ، فيا أيـها المجاهدون
الصامدون في ليبيا : اثبتوا واصمدوا ، والجأوا إلى الله متضرعين أن ينصركم ، وأكثروا من الدعاء والاستغفار ، ومن كان قادرًا على الصدقة فليتصدق ، واصدقوا مع الله ينصركم ، ولن تنتصر شرذمة لا تعرف الله ولا تخشاه على شعب يؤمن بالله وفيه أكثر من مليون حافظ لكتاب الله تعالى ، وتذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في معركة الخندق لم ينتصروا حتى بلغت القلوب الحناجر ، فكيف بنا نحن فـ {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران :200 .
* ماذا يجب على إخواننا في تونس ، ومصر ، وليـبـيـا أن يفعلوه ؟
إن
على إخواننا في تونس ، ومصر ، وليبيا أن يتنبهوا لأعداء الإسلام
المتربصين بهذه الدول الثلاث وغيرها لأن هؤلاء الأعداء يحاولون النفوذ
إلى هذه البلاد عن طريق العلاقمة المتآمرين في الداخل .
وقد حذر الداعية الإسلاميّ المعروف ، والمفكر الشهير الشيخ : غازي التوبة (12) من ثلاث قوى تحاول اختراق هذه الدول والمكر بشعوبها ، وهذه القوى هي : الولايات المتحدة ، وإسرائيل ، وإيران .
أما
أميركا فميزانها هو المصالح ، وفي سبيل تحقيق مصالحها تدغدغ الشعوب
بالنظام الديمقراطيّ والديمقراطية التي تريدها أميركا للشعوب الإسلامية هي
الديمقراطية المرتبطة بالفرد الذي تختاره ليحقق لها مصالحها مثل كرازاي
في أفغانستان ، وتشغل العالم الإسلاميّ بإشعال الفتن عن طريق ما تسميه ((
الفوضى الخلّاقة )) وبشرت العالم الإسلاميّ بــ (( شرق أوسط كبير )) ثم
بــ (( شرق أوسط جديد )) ورأينا أثر هذا التبشير في العراق وأفغانستان
وغيرهما .
أما
إسرائيل : فهي أكثر اهتمـامًا من أميركا بالتخطيط لتفتيت دول المنطقة ،
وتغلغلها في مفاصلها ، ومنذ أن حطت في الأرض المباركة فلسطين ولوثـتها ،
وهي ترسم الخطط لتمزيق دول منطقتنا إلى دويلات يسهل التحكم فيها ، وإحداث
الصراعات بينهـا .
وقد
نصت وثائقها التي ذكرها الأستاذ غازي التوبة على إيجاد دولة للعلويـين في
سوريا ، وأخرى للدروز في جبل العرب ، ودولة للمسيحيـين في لبنان ، وإيجاد
دولتين للمسلمين والأقباط في مصر ، وتقسيم السودان إلى دولتين ، وقد نجحت
في فصل الجنوب وإقامة دولة عليه للنصارى ، وتفكر في تجزئة دول المغرب
العربيّ والخليج وغيرها .
وأما
إيران : فإن مطامع الروافض الصفويين في العالم الإسلاميّ لا تقف عند حد ،
فلهم خطة خمسينـيّــة يهدفون من وراء تنفيذها إلى الاستيلاء على العالم
العربيّ ابتداء بإقامة ما يسمونة دولة الهلال الشيعيّ ، التي تبدأ من اليمن
، مرورًا بدول الخليج العربيّ ، والعراق ، والأردن ، ولبنان إلى سوريا ،
ولهم خطط ترمي إلى تحريك بؤر التجمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم ،
وإدخال التشيع إلى البلدان التي لا وجود له فيها كمصر وبعض دول المغرب
العربيّ ، وهو ما يطلقون عليه (( تصدير الثورة )) .
ويجب
على إخواننا أهل السنة ألا ينزلقوا إلى الدعوات لمظاهرات يدعو إليها
الرافضة في بلادنا ، تحت شعارات رافضية تنال من مقام الصحابة رضي الله عنهم ، مثل الدعوة إلى (( يوم حنين )) زعمـًا منهم أن
أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فَرَّا في غزوة حنين ، ولم يبق معه إلا عليّ رضي الله عنه ، وهذا من قبيح جرأتهم على الكذب والوقاحة ، والرد على مثل هذا لا تحتمله مساحة هذا المقال .
وليتنبه
إخواننا في هذه الدول التي أسقطت الطواغيت لهذه المشاريع الخبيثة التي
يحوكها اليهود والنصارى وألّا يسمحوا لتدخلاتهم فدول الغرب تغازل الثوار ،
وفرنسا تبادر للاعتراف ، وأميركا وأوربا تطالب القذافيّ بالرحيل ، ونسمع
كل يوم جديداً ، والتآمر في الداخل والخارج تدور رحاه ، والله أعلم بخفايا
الأموروبواطنها .
* العبرة من مصارع الظالمين .
كل من بارز الله تعالى بالحرب وأمعن في ظلم عباده ؛ فإن نهايته مخزية ، وأخذه له أليم شديد مهمـا طالت مدته ، واغتر بإمهال الله له .
ولقد حدثنا الله تعالى عن مصارع الظالمين بدءًا بفرعون وقارون وهامان وغيرهم ، وانتهاء بالفراعنة المستبدين في عصرنا ، والذين حكموا الشعوب المسلمة بالحديد والنار .
أين
جمال عبدالناصر ، وأين شاه إيران الذي كان يسمي نفسه (( شاهٍ شاه )) أي
ملك الملوك ، وأين صدام حسين وأين ابن عليّ وحسني وغيرهم ؟
لقد
كان هؤلاء يأمرون فلا يُردّ لهم أمر ، ولا يعترض أحد على أي : فعل
يفعلونه ، وكل ما يصدر عنهم محفوف بالقداسة والعصمة ، وتُسخّر آلة الإعلام
لتمجيدهم صباح مساء ، وتملأ تماثيل صورهم كل شارع ويتزاحم الزائرون
بمختلف طبقاتهم على أبواب قصورهم .
وبين
عشية وضحاها ، أصبح هؤلاء المتجبرون الـمتألِّـهون مطاردين ، يُـشتمون
بكل لسان ، ويمتنع أسيادهم في الغرب من استقبالـهم ، وتصدر الأوامر بتجميد
أرصدتهم ، وتُصادر ممتلكاتهم الهائلة ، ويُـزجّ بالـمتنفّذين من أقاربهم
ووزرائهم في المعتقلات ، أو تفرض عليهم الإقامة الجبرية ويمنعون من السفر .
ومن عجائب قدر الله
أن تجد أسماءهم مخالفة لأفعالهم مخالفة شنيعة ، فمن زين العابدين إلى
حسني مبارك فلا زين ، ولا حسن ، ولا بركة ، وإنما النقيض تمامًا ، وانظر
إلى أسماء زبانيتهم كأحمد نظيف ، وحبيب العادلي فأين النظافة ، وأين
العدل عندهما وعند أمثالهمـا ؟
كل
هؤلاء وزبانيتهم ذهبوا كما ذهب من قبلهم جمال عبدالناصر ، والسادات ،
وشاه إيران الذي كان يلقّب بـ (( الطاووس )) لكبريائه ، وصدام حسين ،
وسيلحق بهؤلاء هولاكو ليبيا ونيرونـها الذي بلغ جنون العظمة عنده مبلغًا
لم يحصل لبشر فيما نعلم إلا لفرعون
إن
نهاية القذافيّ أضحت قريبة ، وأصبح زواله قاب قوسين أو أدنى مهما احتمى
بالقوة ، وتحص بالحصون المنيعة ، ومهمـا قَـــتَل وبَطَش .
إن في كتاب الله تعالى مئات الآيات ، ذكر فيها سبحانه عقوبة الظالمين وعاقبتهم البئيسة في الدنيا ، وما أعد لهم من عذاب أليم مقيم في الآخرة .
والله عز وجل قطع دابر أقوام في الدنيا لا يعلمهم إلا الله ، طغوا وبغوا وظلموا وتجبروا{فَلَمَّا
نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ
شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً
فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الآيتان (44-45) سورة الأنعام .
وفي آيات كثيرة أخبرنا الله عما أعده لهم في الآخرة من عذاب عظيم ، كما في قوله تعالى :{وَقُلِ
الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} الكهف : 29 .
وقال تعالى:
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ
الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم : (71-72) .
ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن ليل الظالمين لا بد أن ينتهي مهما طال ، وأن الله يمهل ولا يهمل : (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) (13) ثم قرأ : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود : 102 .
ورحم الله الإمام الشافعيّ ورضي عنه إذ يقول (14) :
[/co
الحمد
لله الذي تفرد بعلم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا من خلقه ، إلا بالقدر
الذي تقتضيه حكمته جلّ وعلا ، علم ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة ،
وصلّى الله وسلّم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي أخبرنا عن كثير مما أخبره به ربه من علامات الساعة ، وحدوث الفتن في آخر الزمان ، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين .
وبعد : فإن هذه الأمة أمة مرحومة ، وهي خير الأمم ، وإليها بُعث أفضل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، وهذه الأمة هي أكثر أهل الجنة ، ووقوع الفتن فيها قَـدَر أخبر عنه الـمصطفى صلّى الله عليه وسلّم وأنه لا بد واقع { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال : 42 .
ويتعين
في مستهل هذا المقال أن أورد بعض الأحاديث الصحيحة ؛ لأنطلق منها إلى
ساحة الحديث عن هذا الموضوع ، مبتدئًا بحديث حذيفة بن اليمـان رضي الله عنه ، وهو من أصح أحاديث الفتن .
أخرج الـبـخاريّ في كتاب الفتن من صحيحه حديث حذيفة رضي الله عنه برقم (7084) قـال :
كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الْـخَـيْـرِ ، وَكُنتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ،
مَـخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا
كُنَّا فِي جَاهِلِيَّـةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْـخَيْرِ،
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْـخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ )) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُـهُ؟ قَالَ: (( قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنكِرُ )) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (( نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا )) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَـنَا ، قَالَ: (( هُمْ مِن جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا )) قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَ كَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ )) قُلْتُ: فَإِنْ لَــمْ يَكُنْ لَـهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: ((
فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ
شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ)).
وأخرجه مسلم كذلك في كتاب الإمارة برقم (1847) .
وأخرج مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو قبل الحديث السابق برقم (1844) قال عبدالله بن عمرو : كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ،
فَنَـزَلْنَا مَنزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ (1) ، وَمِنَّا مَن يَنْتَضِلُ (2) ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ (3) ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلَاةَ جَامِعَةً(4) ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: ((
إِنَّهُ لَمْ يَكُن نَبِيٌّ قَـبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْـهِ أَنْ
يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ
شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ
عَافِيَــتُهَا فِي أَوَّلِـهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ
تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَـةٌ فَـيُـرَقِّـقُ بَعْضُهَا بَعْـضـًا
وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ،
ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَـجِيءُ الْفِتْنَةُ ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ
هَذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ
الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَي النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ
يُؤْتَى إِلَيْهِ )) .
وهناك
حديث من أعظم المبشرات بمستقبل الإسلام يفصّل مراحل الحكم في التأريخ
الإسلاميّ ، وهو حديث يتفق مع الحديثين السابقين في بعض المعاني الواردة
فيهمـا ، وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده برقم (18406) بإسناده عن حذيفة
أيضـًا قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ
يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى
مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ ،
ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
عَاضـًّا ، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا
إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًا ،
فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ
أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ ،
ثُمَّ سَكَتَ )) .
ومن طريق أحمد : أخرجه العراقيّ في (( محجة القُرَب إلى محبة العرب )) ص (175-176) وقال : هذا حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده .
وأورده الهيثميّ في المجمع (5/188-189) وقال : رجاله ثقات .
ونقل الألبانيّ تصحيحه في (( سلسلة الأحاديث الصحيحة )) (1/34-35) وتعقبه بأن الحديث حسن وحسنه كذلك شعيب الأرنؤوط في تخريجه لأحاديث (( المسند ))(30/356) .
وتحسينهمـا له من أجل حبيب بن سالم الأنصاريّ ، مولى النعمان بن بشير رضي الله عنهمـا ، وكاتبه ، قال عنه ابن حجر في التقريب : ص (189) : لا بأس به .
وفي
خضم هذه الأحداث المتلاحقة ، والخطوب المدلهمة ، والفتن العاصفة ، يحسن
بنا أن نستلهم من هذه الأحاديث وغيرها من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض البصائر التي نهتدي بها في دياجير هذه الفتن :
1)
أن حدوث الفتن في تأريخ هذه الأمة قَـدَر إلـهـيّ - كما سبقت الإشارة
إليه - لا بد من وقوعه لِحكَم ندرك شيئًا منها ، ويغيب عنا أكثرها ،
والواجب علينا التسليم المطلق لله عز وجل في كل أمر من الأمور ، وأن هذا
داخل في عموم الابتلاء الذي كتبه المولى جلّ وعلا على هذه الأمة بصريح
قوله تعالى :
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت : 2 .
2) أن الله تعالى عافى هذه الأمة من هذه الفتن في أولها ، كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهمـا ، وستعود إلى عافيتها بعد ظهور المهديّ ، ونزول عيسى عليهمـا السلام ، في آخر الزمان ، كمـا تدل عليه النصوص الثابته ، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن مراحل الحكم في التاريخ الإسلاميّ إشارة إلى تعافي الأمة بقيام الخلافة الراشدة الثانية ، حيث قال : (( ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَـةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ )) .
وقد
كثرت النصوص الثابتة الدالة على الحياة الكريمة ، ورغد العيش ، والبركة
في الثمار ، في هذه الحِقبة المباركة ؛ حتى إن الفئام من الناس يستظلون
تحت قِحْف الرمانة (5).
3)
أن الملك العاضّ ، يتمثّل - والله أعلم - في عهود الخلافة المتلاحقة
بدءًا بالخلافة الأموية ، ومرورًا بالـخلافة العباسية ، وانتهاء بالـخلافة
العثمـانـيـة ، فإنها لـم تخل من عسف وظلم ، وإن كان الـحكم فيها
إسلامـيًّا في مجمله .
ويُستثنى من هذه العهود عهد الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، في فترة الحكم الأمويّ والخليفة المتوكّل رحمه الله تعالى في فترة الحكم العباسيّ ، ونور الدين زنكيّ ، وصلاح الدين الأيوبيّ رحـمهمـا الله تعالى بعد ذلك .
فإن
هؤلاء الخلفاء والملوك هم أعدل الولاة في تاريخ الإسلام بعد عمر بن
عبدالعزيز ، وسيرتهم مع رعاياهم كانت سيرة مَرْضِيَّـة كُتِبت فيها
التصانيف .
وقد فسر الشراح بعض جمل حديث معاذ في الفتن تفسيرًا متنوعًا .
فقال
عياض : (( المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان ، والمراد
بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن العزيز ، والمراد بالذين تعرف
منهم وتنكر الأمراء بعده ، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل وفيهم من
يدعوا إلى البدعة ويعمل بالجور )) (6) .
وقال
ابن حجر عقب إيراده كلام عياض : (( والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما
أشار إليه من الفتن الأولى ، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع عليّ ومعاوية ،
وبالدَّخَن ما كان في زمنهمـا من بعض الأمراء كزياد بالعراق ، وخلاف من
خالف عليه من الخوارج ، وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من
الخوارج وغيرهم ، وإلى ذلك الإشارة بقوله :(( الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ )) يعني ولو جار - إلى أن قال - وكان مثل ذلك كثيرًا في إمارة الحجاج ، ونحوه )) (7) .
وأما الملك الجبريّ
فأصدق الأمثلة عليه ما شهدناه ونشهده في عصرنا هذا من انقلابات عسكرية
دموية يتسلم أحد العسكر الحكم بعد ذلك بقوة السلاح ، ويسوم شعبه سوء
العذاب ، ويكبت حرّياتهم ، ويقضي على مظاهر شرع الله
تعالى ، وينهب الثروات ، ويجعل البلاد رهن تصرف أهله وعشيرته ، ويسلطهم
على أفراد الشعب وممتلكاتهم كالكلاب المسعورة ، ويمكِّن لأعداء الله وشرعه يعيثون في الأرض فسادًا .
وأبرز الأمثلة على هذا الواقع المرّ حكم القذافيّ في ليبيا ، وحكم ابن عليّ في تونس .
ومع
هذا نجد من بعض المغفلين ، وبعض علماء السوء ، وبعض المغرضين المنتفعين
من يفتي الجماهير التي خرجت تصرخ في وجوه الطغاة بعد أن قتلوا أولادهم
وإخوانهم ، وزَجُّوا بهم في غياهب السجون ، وحاربوهم في أرزاقهم ، وانتهكوا
أعراضهم ، نجد من هؤلاء جميهم من يأمرهم بطاعة هؤلاء ؛ لأنهم في نظرهم
أولياء أمورهم ، ويجب والصبر على عسفهم وظلمهم ، دون أن يُــقَـيِّـدوا هذه
الطاعة بالمعروف ، وإنمـا يطالبونهم بالطاعة المطلقة ، وهذا والله من
أعجب العجب ، وياليتهم في المقابل يطالبون هؤلاء الطواغيت بتلبية بعض
مطالب الجمـاهير العادلة .
ياللعجب !! هل يعد القذافيّ وليّ أمر المسلمين في بلاده ، وهو الذي جعل كتابه الأخضر مكان القرآن الكريم ، وقد أفتى سماحة الإمام ابن باز رحمه الله تعالى قبل ثلاثين سنة ، ومعه المجامع الفقهية بكفره .
كيف يكون هذا المجرم الأثيم وجاره المشابه له ابن عليّ من أولياء أمور المسلمين
، وهما اللذان استأصلا الشريعة الإسلامية من هذين البلدين ، وأعلنا
فيهما الكفر البواح ، واستُـبِـيـحت فيهمـا الأعراض ، وقُتِلَ فيهما عشرات
الألوف لا لشيء إلا أنهم أنكروا عليهم العسف والظلم ، ومحاربة شرع الله تعالى .
لقد
انطلق القذافيّ قبل 42 سنة في إيذاء شعبه بدعم ومؤازرة من فرعون مصر
الأوحد جمال عبدالناصر ولقد سمعته وأنا في المرحلة المتوسطة في تلك الفترة
من إذاعة صوت العرب يقول للقذافيّ الشاب المندفع المتهور : (( تركت فيكم أمين الأمة العربية )) واشتهر عنه قوله للقذافيّ كذلك : (( أرى فيك شبابي )) .
وقد يفهم بعض من لا علم له من قول النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ثُمَّ تَكُونُ مُلْكـًا جَبْرِيًّا ))
أن الملك محصور في النظام الملكيّ فقط ، وهذا غير صحيح ، فكل من تولى
ولاية بلد سواء كان رئيس جمهورية أو ملكًا أو أميرًا أو سلطانًا ، فإن
ولايته يُطْلق عليها اسم الملك .
والأنظمة الملكية في مجملها أرحم بشعوبها من الرؤساء الانقلابين ، فملك ليبيا محمد بن إدريس السنوسيّ كان حافظـًا لكتاب الله
تعالى ، حريصـًا على نشر تعليمه عن طريق ألوف الزوايا في المدن الليبية
وقراها ، وكان محبوبـًا من شعبه ، وقد اختاره هذا الشعب وبايعه ، فانقلب
عليه القذافيّ وحوّل ليبيا إلى جحيم لا يطاق وعاش الملك السنوسيّ في
المنفى ، وحين مات دفن في البقيع تنفيذًا لوصيته بذلك ، رحمه الله تعالى .
وقارن
بين النظام الملكيّ في العراق وبين النظام الجمهوريّ الذي جرّ على البلاد
الويلات والمصائب والكوارث إلى وقـتـنا هذا .
وليس النظام الملكيّ مبرءًا من العسف والظلم ، ولكن الأمر نسبيّ ، ومعظم الأنظمة الملكية داخلة في الملك الجبريّ .
وإني لأسأل الله تعالى أن نكون في آخر فترة الحكم الجبريّ الذي اصطَـلَت به أكثر بلاد العالم الإسلاميّ { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (21) سورة يوسف .
إن هذا الحكم الجبريّ ضرب بجرانه على بلاد المسلمين
بعد سقوط الخلافة العثمانية حينما ضعفت وت مر عليها الغرب بمختلف
مؤسساته ، وشرعوا في تقسيم العالم الإسلام إلى دويلات ليسهل التحكم فيها
والسيطرة عليها ، والتحريش بينها .
ولقد كان أمير الشعراء أحمد شوقيّ رحمه الله تعالى ملهمـًـا حين قال في آخر مرثيته البديعة لهذه الخلافة ( :
لقد
لـخص هذا الشاعر الفحل ما جرى بعد سقوط الحكم العثمانيّ من إقصاء للدين ،
ودعوة لتغريب وتمزيق للشعوب إلى دويلات تدين للغرب ، أُذكيت فيها
الخلافات والنعرات ، وأصبح لكل حاكم هَتَّافة للتهريج ، وَجَوْقَــة من
علماء السوء ، يفتون على مراده ترغيبًا أو ترهيبـًا ، وأصبح هوى النفوس
وأحقادها وكيدها هو المهيمن على كل موقف إلا ما رحم الله تعالى .
4) على الحكام في جميع بلاد المسلمين
- وإن كان لا يصل هذا الخطاب إليهم - أن يتصالحوا مع شعبوهم ويرفعوا
عنهم الظلم والقهر والاستبداد ، وأهم من ذلك يجب أن يحكموهم بالعدل ،
ويشاوروا عقلاءهم يسمعوا منهم .
وليعلم هؤلاء الحكام أن زمن حكم الفرد الذي يقول لشعبه بلسان الحال أو المقال : { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } غافر : 29 ، قد ولى أو كاد ، وكأن أمير الشعراء قد قصد هذا الحقبة بقوله مخاطبًا فرعون مصر الأكبر (( توت خنع آمون )) (9) :
وليعلم الحكام أن أسلحة جديدة يستعملها خصومهم في المعركة يصعب عليهم استيعابها والسيطرة عليها بل يستحيل ذلك في كثير من الأحيان .
إنها أسلحة الإعلام الجديد ، وفي طليعتها الفضائيات التي كشفت وتكشف كل مستور ، وتعري كل إجرام ، وتفضح ما يحوكه المتآمرون في دهاليز الغدر ، في أسلوب مثير يدعو إلى الدهشة والإعجاب .
وساعد الفضائيات على هذا الزخم الهائل أسلحة الإعلام الأخرى المرتبطة بشبكة المعلومات ((الأنترنت)) مثل الفيسبوك ، واليتيوب ، والتويتر وغيرها .
ولقد
أصبح ما تمارسه الأنظمة القمعية من تعتيم على ارتكاب الإبادة والفساد
أمرًا مكشوفــًا للقاصي والداني ، وأصبحت الفضائح تلاحق هؤلاء الحكام
وزبانيتهم ، ويكاد يشاهدها الناس في كل مكان .
ولقد ألـهـبت هذه الأسلحة غضب الشعوب المقهورة المظلومة ، وأسهمت في توحّد صفوفهم ، وأوصلت كلمـات أهل الرأي والحكمة والعلم إليهم .
لذا
يجب على العلماء ألّا يقفوا موقف المتحيِّـز إلى الحكام ، وأن يناصحوهم ،
فهم السدّ المنيع الذي يمنع الحاكم من تسلطه على رعيته ، ويظمنون للرعية
وصول حقهم إليهم بمشيئة الله تعالى إذا صدقوا واتقوا ربهم .
إن
معظم علمـاء اليوم بين متحيِّـز إلى الأنظمة ، وبين مغلوب على أمره ،
يلوذ بالصمت ، ولا يملك إلا أضعف الإيمـان ، وما أقلّ الذين ينطقون بالحق ،
ويقولون لـهـؤلاء الحكام : اتقوا الله تعالى .
5)
على الشعوب التي تنتفض على الظلم والظالـمين أن تنتبه للمؤامرات
العلقميّـة ؛ فابن العلقميّ الرافضيّ الذي اسهم في إسقاط الخلافة العباسية ،
يتكرر في غالب الأزمنة والأمكنة :
ومن
أبرز العلاقمة : المندسون المتلصِّصون الذين يسرقون الثورات ليتمكنوا من
سرقة الثروات ، وإشاعة الفواحش والشهوات ، وتمكين أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم ؛ ليحتلوا بلاد المسلمين وينهبوا خيراتها ويتحكموا في مفاصلها .
وصمام
الأمان من كل ذلك يتحقق في إحياء شعيرة الجهاد في الأمة ، وهو الأمر الذي
أجمعت ملل الكفر ولا سيما حكومات الغرب على محاربته ، وسموه إرهابـًا ،
وأطلقوا أبواق إعلامهم تردد هذه المفتريات ، وأقنعوا أذنابهم من حكام
العالم الإسلاميّ بهذا المكر الكُبـَّار ، واستغل هؤلاء الأذناب التصرف
الأرعن الصادر عن بعض الغلاة الذين يرتكبون حوادث التفجير والتدمير في بلاد
المسلمين ، فاندفعت آلة إعلامهم تُردِّد هذا المصطلح حتى كاد الصُّمّ أن يستغيثوا من هذا التكرار السَّمِـج .
وفي المقابل نجد كثيرًا من المعنيـّيـن بإصلاح الأمة والدفاع عن حياضها يتحرّجون من إطلاق مصطلح
(( الجهاد )) ويستبدلونه بلفظ (( المقاومة )) حتى لا يُـتَّـهَموا بالإرهاب ، وهذا ولا ريب انهزام نفسيّ!
إن مصطلح الجهاد أمر أَبْدَأَ الله فيه وأعاد في كتابه الكريم ، وفي سنة نبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم مئات الأحاديث في فضله ، وأنه ذُرْوة سنام الإسلام ، وما تركه قوم إلا ذلّوا ، ولا حماية لبيضة الإسلام وديار المسلمين
إلا به ، كل ذلك وردت فيه الأحاديث الصحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما
، بل أُلِّفت في الجهاد وأحكامه الكتب الكبيرة والأسفار المتعددة ، ومثل
هذا المقال القصير يضيق عن إيراد شيء منها .
إن ما يجري في ليبيا الآن ليس ثورة شعبية ، إنما هو جهاد في سبيل الله
بحقّ ، بين شعب مظلوم ونظام عُـبيديّ باطنيّ كافر ، وإننا لنفرح كثيرًا
حين نرى هؤلاء المجاهدين يسجدون في الطرقات شكرًا لله على نصره لهم ، ولا
تسمع مع زخَّات الرصاص وهدير المدافع والرشاشات إلا صيحات التكبير ،
ويحملون المصاحف ويصلون في الميادين المكشوفة .
إن
هؤلاء المجاهدين هم أحفاد المجاهد البطل (( عمر المختار )) الذي مكث أكثر
من عشرين سنة يجاهد الغزاة الطليان ، ولَطَالما كبَّدهم الهزائم
الـمتـتالية ، ولم ينالوا منه إلا بالطرق الغادرة ، ونحسب أنه لقي ربه
شهيدًا ، وهو يقول ثابتًا كالطود بكل شموخ وعزة وإباء : (( نحن لا نستسلم ، نـنـتصر أو نموت )) .
إن
هؤلاء الأحفاد يستلهمون من سيرته جهادهم ضد هذا الأهوج الغاشم الظالم ،
المنتهك لكل الحرمات والذي لم يبق له إلا أبناؤه والمـأجورون من فلول
أنصاره والمرتزقه من أصحاب الذمه الـخَرِبة ، الذين استقطبهم لقتل الأبرياء
من الشيوخ والنساء والأطفال .
وهذا ليس غريبـًا على رجل أمه يهوديه (10) - كمـا ذكرت ذلك صحيفة النهار البيروتية في أول أسبوع من ثورة الفاتح كمـا سماها - وهو يدعو إلى إعادة الحكم العبيديّ الباطنيّ .
وكأني بأمير الشعراء الـملهم يخاطب هـؤلاء المجاهدين الأشاوش في مرثيته لأستاذهم الـمجاهد العملاق عمر المختار رحمه الله تعالى بقوله (11) :
إن
إخواننا الفتية المجاهدين في ليبيا الآن ينقدون رجالهم ، ويختارون
زعماءهم لحسم المعركة مع هذا السفاح المهلوس وجنده ، فيا أيـها المجاهدون
الصامدون في ليبيا : اثبتوا واصمدوا ، والجأوا إلى الله متضرعين أن ينصركم ، وأكثروا من الدعاء والاستغفار ، ومن كان قادرًا على الصدقة فليتصدق ، واصدقوا مع الله ينصركم ، ولن تنتصر شرذمة لا تعرف الله ولا تخشاه على شعب يؤمن بالله وفيه أكثر من مليون حافظ لكتاب الله تعالى ، وتذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في معركة الخندق لم ينتصروا حتى بلغت القلوب الحناجر ، فكيف بنا نحن فـ {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران :200 .
* ماذا يجب على إخواننا في تونس ، ومصر ، وليـبـيـا أن يفعلوه ؟
إن
على إخواننا في تونس ، ومصر ، وليبيا أن يتنبهوا لأعداء الإسلام
المتربصين بهذه الدول الثلاث وغيرها لأن هؤلاء الأعداء يحاولون النفوذ
إلى هذه البلاد عن طريق العلاقمة المتآمرين في الداخل .
وقد حذر الداعية الإسلاميّ المعروف ، والمفكر الشهير الشيخ : غازي التوبة (12) من ثلاث قوى تحاول اختراق هذه الدول والمكر بشعوبها ، وهذه القوى هي : الولايات المتحدة ، وإسرائيل ، وإيران .
أما
أميركا فميزانها هو المصالح ، وفي سبيل تحقيق مصالحها تدغدغ الشعوب
بالنظام الديمقراطيّ والديمقراطية التي تريدها أميركا للشعوب الإسلامية هي
الديمقراطية المرتبطة بالفرد الذي تختاره ليحقق لها مصالحها مثل كرازاي
في أفغانستان ، وتشغل العالم الإسلاميّ بإشعال الفتن عن طريق ما تسميه ((
الفوضى الخلّاقة )) وبشرت العالم الإسلاميّ بــ (( شرق أوسط كبير )) ثم
بــ (( شرق أوسط جديد )) ورأينا أثر هذا التبشير في العراق وأفغانستان
وغيرهما .
أما
إسرائيل : فهي أكثر اهتمـامًا من أميركا بالتخطيط لتفتيت دول المنطقة ،
وتغلغلها في مفاصلها ، ومنذ أن حطت في الأرض المباركة فلسطين ولوثـتها ،
وهي ترسم الخطط لتمزيق دول منطقتنا إلى دويلات يسهل التحكم فيها ، وإحداث
الصراعات بينهـا .
وقد
نصت وثائقها التي ذكرها الأستاذ غازي التوبة على إيجاد دولة للعلويـين في
سوريا ، وأخرى للدروز في جبل العرب ، ودولة للمسيحيـين في لبنان ، وإيجاد
دولتين للمسلمين والأقباط في مصر ، وتقسيم السودان إلى دولتين ، وقد نجحت
في فصل الجنوب وإقامة دولة عليه للنصارى ، وتفكر في تجزئة دول المغرب
العربيّ والخليج وغيرها .
وأما
إيران : فإن مطامع الروافض الصفويين في العالم الإسلاميّ لا تقف عند حد ،
فلهم خطة خمسينـيّــة يهدفون من وراء تنفيذها إلى الاستيلاء على العالم
العربيّ ابتداء بإقامة ما يسمونة دولة الهلال الشيعيّ ، التي تبدأ من اليمن
، مرورًا بدول الخليج العربيّ ، والعراق ، والأردن ، ولبنان إلى سوريا ،
ولهم خطط ترمي إلى تحريك بؤر التجمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم ،
وإدخال التشيع إلى البلدان التي لا وجود له فيها كمصر وبعض دول المغرب
العربيّ ، وهو ما يطلقون عليه (( تصدير الثورة )) .
ويجب
على إخواننا أهل السنة ألا ينزلقوا إلى الدعوات لمظاهرات يدعو إليها
الرافضة في بلادنا ، تحت شعارات رافضية تنال من مقام الصحابة رضي الله عنهم ، مثل الدعوة إلى (( يوم حنين )) زعمـًا منهم أن
أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فَرَّا في غزوة حنين ، ولم يبق معه إلا عليّ رضي الله عنه ، وهذا من قبيح جرأتهم على الكذب والوقاحة ، والرد على مثل هذا لا تحتمله مساحة هذا المقال .
وليتنبه
إخواننا في هذه الدول التي أسقطت الطواغيت لهذه المشاريع الخبيثة التي
يحوكها اليهود والنصارى وألّا يسمحوا لتدخلاتهم فدول الغرب تغازل الثوار ،
وفرنسا تبادر للاعتراف ، وأميركا وأوربا تطالب القذافيّ بالرحيل ، ونسمع
كل يوم جديداً ، والتآمر في الداخل والخارج تدور رحاه ، والله أعلم بخفايا
الأموروبواطنها .
* العبرة من مصارع الظالمين .
كل من بارز الله تعالى بالحرب وأمعن في ظلم عباده ؛ فإن نهايته مخزية ، وأخذه له أليم شديد مهمـا طالت مدته ، واغتر بإمهال الله له .
ولقد حدثنا الله تعالى عن مصارع الظالمين بدءًا بفرعون وقارون وهامان وغيرهم ، وانتهاء بالفراعنة المستبدين في عصرنا ، والذين حكموا الشعوب المسلمة بالحديد والنار .
أين
جمال عبدالناصر ، وأين شاه إيران الذي كان يسمي نفسه (( شاهٍ شاه )) أي
ملك الملوك ، وأين صدام حسين وأين ابن عليّ وحسني وغيرهم ؟
لقد
كان هؤلاء يأمرون فلا يُردّ لهم أمر ، ولا يعترض أحد على أي : فعل
يفعلونه ، وكل ما يصدر عنهم محفوف بالقداسة والعصمة ، وتُسخّر آلة الإعلام
لتمجيدهم صباح مساء ، وتملأ تماثيل صورهم كل شارع ويتزاحم الزائرون
بمختلف طبقاتهم على أبواب قصورهم .
وبين
عشية وضحاها ، أصبح هؤلاء المتجبرون الـمتألِّـهون مطاردين ، يُـشتمون
بكل لسان ، ويمتنع أسيادهم في الغرب من استقبالـهم ، وتصدر الأوامر بتجميد
أرصدتهم ، وتُصادر ممتلكاتهم الهائلة ، ويُـزجّ بالـمتنفّذين من أقاربهم
ووزرائهم في المعتقلات ، أو تفرض عليهم الإقامة الجبرية ويمنعون من السفر .
ومن عجائب قدر الله
أن تجد أسماءهم مخالفة لأفعالهم مخالفة شنيعة ، فمن زين العابدين إلى
حسني مبارك فلا زين ، ولا حسن ، ولا بركة ، وإنما النقيض تمامًا ، وانظر
إلى أسماء زبانيتهم كأحمد نظيف ، وحبيب العادلي فأين النظافة ، وأين
العدل عندهما وعند أمثالهمـا ؟
كل
هؤلاء وزبانيتهم ذهبوا كما ذهب من قبلهم جمال عبدالناصر ، والسادات ،
وشاه إيران الذي كان يلقّب بـ (( الطاووس )) لكبريائه ، وصدام حسين ،
وسيلحق بهؤلاء هولاكو ليبيا ونيرونـها الذي بلغ جنون العظمة عنده مبلغًا
لم يحصل لبشر فيما نعلم إلا لفرعون
إن
نهاية القذافيّ أضحت قريبة ، وأصبح زواله قاب قوسين أو أدنى مهما احتمى
بالقوة ، وتحص بالحصون المنيعة ، ومهمـا قَـــتَل وبَطَش .
إن في كتاب الله تعالى مئات الآيات ، ذكر فيها سبحانه عقوبة الظالمين وعاقبتهم البئيسة في الدنيا ، وما أعد لهم من عذاب أليم مقيم في الآخرة .
والله عز وجل قطع دابر أقوام في الدنيا لا يعلمهم إلا الله ، طغوا وبغوا وظلموا وتجبروا{فَلَمَّا
نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ
شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً
فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الآيتان (44-45) سورة الأنعام .
وفي آيات كثيرة أخبرنا الله عما أعده لهم في الآخرة من عذاب عظيم ، كما في قوله تعالى :{وَقُلِ
الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} الكهف : 29 .
وقال تعالى:
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ
الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} مريم : (71-72) .
ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن ليل الظالمين لا بد أن ينتهي مهما طال ، وأن الله يمهل ولا يهمل : (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) (13) ثم قرأ : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود : 102 .
ورحم الله الإمام الشافعيّ ورضي عنه إذ يقول (14) :
[/co
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:26 من طرف ندى الياسمين
» 10 فوائد مفاجئة للعلكة الخالية من السكر
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:17 من طرف ندى الياسمين
» آلام لا يجب أن تتجاهلها الحامل صحة الحامل والجنين.
السبت فبراير 09 2019, 07:07 من طرف ابو جهاد
» الاكل الممنوع للحامل في الشهور الاولى
السبت فبراير 09 2019, 06:53 من طرف ابو جهاد
» كل شيء عن حساسية الجلد عند الاطفال
الأربعاء يناير 30 2019, 07:35 من طرف ابو جهاد
» علاج الزغطة: من الحالات البسيطة الى الشديدة
الأحد يناير 27 2019, 09:24 من طرف ابو جهاد
» فتق المعدة: الأسباب والأعراض والعلاج
الأحد يناير 27 2019, 09:20 من طرف ابو جهاد
» علامات تشير للإصابة بديسك في أسفل الظهر
السبت يناير 26 2019, 08:48 من طرف ابو جهاد
» أمور يجب القيام بها وأخرى تجنبها بعد الجلطة الدموية
الخميس يناير 24 2019, 07:21 من طرف ابو جهاد