وحدة إسلامية أم .. وحدات؟!
كان الشيخ عبد الرحمن الدوسري (رحمه الله) من مشايخ نجد المهتمين بالشأن الدعوي والثقافي، وكانت له كلمة مأثورة، وهي أن الناس -كما يعبّر- "حزمة صنوخ"، أي: مثل أصول السعف الملتوية حين تجمعها بحبل تجدها تستعصي على الجمع وعلى الحبل والحابل!
وليست الأمة الإسلامية بمجموعها تستعصي على هذه الوحدة فحسب، بل إن فصائلها الداخلية وتياراتها وجماعاتها لو لم تجد شيئاً تختلف فيه لاختلفت حول ما لم يوجد، ولافترضت مسائل وأحداثاً كي تختلف حولها وتتصارع ريثما يتوارث العالم أسلاب الأمم، ويجلب لنفسه خيرات الشعوب ليزيد القوي قوة ورفاهية، ويزيد أمتنا وهناً وضعفاً.
ولا يجتمع الناس إلا حول الماء والعشب والكلأ.
وهذه ليست مشكلة الإنسان المسلم والطبيعة البشرية، فعلى المسلمين والمهتمين بالشأن الإسلامي أن يتعاطوا مع ذلك، ويدخلوا للناس والشعوب من باب الدفاع عنهم وعن لقمة عيشهم وعن حريتهم!!
هذا ما فهمه أذكياء المهتمين والإسلاميين خصوصاً، حتى لا تظل نظرياتنا عن الوحدة الإسلامية دعوة تجريدية محضة، بل علينا أن نتعامل مع طبائع الأشياء والقوانين التي تحكم هذه الطبائع، ذلك لأن المسلم الواعي قرر أن ينـزل للميدان ويتعاطى مع هذا الواقع،
أما أن نبقى نتحدث نظرياً وكلامياً عن الوحدة الإسلامية فأظننا شبعنا من ذلك وتجشّأنا.
إن الوحدة الإسلامية بقدر ما تجد أنها نظرية قوية متماسكة إلاّ أننا نفترق حول كل شيء ولأتفه شيء، وأحياناً حول هذه الوحدة، ذلك لأن الكثير يحسب السعي للوحدة شعاراً، أكثر منه نظرية ضرورية واقعية.
وإذا تأمل المسلم أمم الأرض وشعوبها هنا، وهناك يجد أن كل الأمم والشعوب والجماعات والمذاهب بل والأديان تجاوزت خلافاتها الداخلية، وعملت على دفع مصالحها المشتركة بإنشاء وحدة سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة ثقافية من (فرانكفونية) إلى (كومنولث)..الخ.
وتجد أنها تستثمر وحدتها إما عرقاً أو ديناً أو دولة أو قارة فما بال الأمة الإسلامية تشترك في الدين وفي الإله الواحد، والنبي الواحد، وأحيانا في العرق واللغة، ثم تتنابذ بالأيدي وتتنابز بالألقاب؟!
أحرام على بلابل المسلمين التغريد بجو من الوحدة والأمن والاستقرار والعدالة، حلال لأمم العالم وأطيارها من كل جنس؟!
حتى عمال الشيوعيين اتحدوا، ومستثمرو العالم اتحدوا (في منظمة التجارة) في شركات وماركات، وتجار اليهود اتحدوا في العالم لإنشاء دولة (إسرائيل) أولاً ثم دعمها ثانياً، كل ذلك والأمة الواحدة تغدو أمماً، والوحدة تصبح وحدات يقتل بعضها بعضاً، وشيعاً يحارب بعضها بعضاً، ويسفك بعضها دم بعض، وعرض بعض، وفكر بعض!
إن الأمم البعيدة والقريبة والغريبة دفنت مخازي بعضها، وبلعت كل غصصها من أجل تشكيل وحدة سياسية أو اقتصادية أو غيرها، وأمة الإسلام الواحدة تضيق ذرعاً بكل حبل يربطها بالوحدة، وتكفر بكل ذريعة توصلها للوحدة، وتخرق كل نظام يساعدها على الوحدة، وإذا كان هناك من يستغل الأحداث ليوحّد صفه ويجمع ذات بينه ويعيد ترتيب أوراقه، فإن الأمة الإسلامية مع كل حدث ينـزل تزداد انشقاقاً وفرقة، ومع كل أزمة تحل بالأمة تصنع آلاف الفرق والآراء والاتجاهات التي تتخذ ذلك عقيدة، وتناضل من أجل نفسها لا من أجل هذه الأمة وهذه الوحدة التي تزداد انفصالاً، كما يقول "نزار":
(وطن يزداد ضيقاً..
لغة قطرية تزداد قبحاً..
وحدة خضراء تزداد انفصالاً..
شجر يزداد في الصيف قعوداً..
وحدود كلما شاء الهوى..
تمحو حدوداً..)
إن أمتنا وأبناء أمتنا يتحدثون عن الوحدة الإسلامية، وعن تفرق المسلمين، وهم أنفسهم وقود يابس لنار الفرقة، وهشيم جاهز لها.
وإذا أراد المسلمون أن يتحدوا فإن على كل واحد منهم أن يطأ عنصر البغض والمنافرة والكراهية من عقله وقلبه ورأيه وعمله ومذهبه، عليه أن يطأ ذلك للأقربين قبل الأبعدين، وللأنا قبل الآخر.
وهل يجوز لثلة من النخبة والمثقفين وطلبة العلم والمهتمين أن يتحدثوا عن تفرق الأمة وهم أداة قوية لهذا التفرق، ويذمون الاختلاف المذموم وهم أرض خصبة لنموّ هذا الاختلاف، بل قد يزرعونه بأيديهم كما تُزرع الفسائل!
ويتحدثون عن بغض الآخر، ويدينون فلسفة الكراهية، وهم يبغضون الأنا قبل الآخر! ويكرهون الأقربين من أمتهم ومجتمعهم؛ فهم يذمون القريب قبل الغريب، ويستبيحون حدود الله وحدود الناس، ويحرمون أعراض أنفسهم.
إن قضية الوحدة الإسلامية يجب أن يمارسها الجميع على كل مستوى، ويسعى لها الكل؛ فهي ليست شعاراً شفوياً، وعلى النخبة والعقلاء العمل على إيجاد منظمات وهيئات وتجمعات إسلامية عالمية مشتركة، أو (كومنولث إسلامي) كما يقول مالك بن نبي، تجمعات اجتماعية وفكرية وثقافية واقتصادية، والمهم أن نجعل (الوحدة الإسلامية) هاجسا للأفراد والمجتمعات.
إن على المسلمين من مفكرين ومثقفين وفقهاء إسلاميين أو غيرهم أن يتجاوزوا حقهم الشخصي أو الفئوي أو الجماعي أو المذهبي إلى حق الأمة الأعظم في الوحدة والائتلاف (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).
--------------------------------------------------------------------------------
* المصدر: موقع الإسلام اليوم
كان الشيخ عبد الرحمن الدوسري (رحمه الله) من مشايخ نجد المهتمين بالشأن الدعوي والثقافي، وكانت له كلمة مأثورة، وهي أن الناس -كما يعبّر- "حزمة صنوخ"، أي: مثل أصول السعف الملتوية حين تجمعها بحبل تجدها تستعصي على الجمع وعلى الحبل والحابل!
وليست الأمة الإسلامية بمجموعها تستعصي على هذه الوحدة فحسب، بل إن فصائلها الداخلية وتياراتها وجماعاتها لو لم تجد شيئاً تختلف فيه لاختلفت حول ما لم يوجد، ولافترضت مسائل وأحداثاً كي تختلف حولها وتتصارع ريثما يتوارث العالم أسلاب الأمم، ويجلب لنفسه خيرات الشعوب ليزيد القوي قوة ورفاهية، ويزيد أمتنا وهناً وضعفاً.
ولا يجتمع الناس إلا حول الماء والعشب والكلأ.
وهذه ليست مشكلة الإنسان المسلم والطبيعة البشرية، فعلى المسلمين والمهتمين بالشأن الإسلامي أن يتعاطوا مع ذلك، ويدخلوا للناس والشعوب من باب الدفاع عنهم وعن لقمة عيشهم وعن حريتهم!!
هذا ما فهمه أذكياء المهتمين والإسلاميين خصوصاً، حتى لا تظل نظرياتنا عن الوحدة الإسلامية دعوة تجريدية محضة، بل علينا أن نتعامل مع طبائع الأشياء والقوانين التي تحكم هذه الطبائع، ذلك لأن المسلم الواعي قرر أن ينـزل للميدان ويتعاطى مع هذا الواقع،
أما أن نبقى نتحدث نظرياً وكلامياً عن الوحدة الإسلامية فأظننا شبعنا من ذلك وتجشّأنا.
إن الوحدة الإسلامية بقدر ما تجد أنها نظرية قوية متماسكة إلاّ أننا نفترق حول كل شيء ولأتفه شيء، وأحياناً حول هذه الوحدة، ذلك لأن الكثير يحسب السعي للوحدة شعاراً، أكثر منه نظرية ضرورية واقعية.
وإذا تأمل المسلم أمم الأرض وشعوبها هنا، وهناك يجد أن كل الأمم والشعوب والجماعات والمذاهب بل والأديان تجاوزت خلافاتها الداخلية، وعملت على دفع مصالحها المشتركة بإنشاء وحدة سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة ثقافية من (فرانكفونية) إلى (كومنولث)..الخ.
وتجد أنها تستثمر وحدتها إما عرقاً أو ديناً أو دولة أو قارة فما بال الأمة الإسلامية تشترك في الدين وفي الإله الواحد، والنبي الواحد، وأحيانا في العرق واللغة، ثم تتنابذ بالأيدي وتتنابز بالألقاب؟!
أحرام على بلابل المسلمين التغريد بجو من الوحدة والأمن والاستقرار والعدالة، حلال لأمم العالم وأطيارها من كل جنس؟!
حتى عمال الشيوعيين اتحدوا، ومستثمرو العالم اتحدوا (في منظمة التجارة) في شركات وماركات، وتجار اليهود اتحدوا في العالم لإنشاء دولة (إسرائيل) أولاً ثم دعمها ثانياً، كل ذلك والأمة الواحدة تغدو أمماً، والوحدة تصبح وحدات يقتل بعضها بعضاً، وشيعاً يحارب بعضها بعضاً، ويسفك بعضها دم بعض، وعرض بعض، وفكر بعض!
إن الأمم البعيدة والقريبة والغريبة دفنت مخازي بعضها، وبلعت كل غصصها من أجل تشكيل وحدة سياسية أو اقتصادية أو غيرها، وأمة الإسلام الواحدة تضيق ذرعاً بكل حبل يربطها بالوحدة، وتكفر بكل ذريعة توصلها للوحدة، وتخرق كل نظام يساعدها على الوحدة، وإذا كان هناك من يستغل الأحداث ليوحّد صفه ويجمع ذات بينه ويعيد ترتيب أوراقه، فإن الأمة الإسلامية مع كل حدث ينـزل تزداد انشقاقاً وفرقة، ومع كل أزمة تحل بالأمة تصنع آلاف الفرق والآراء والاتجاهات التي تتخذ ذلك عقيدة، وتناضل من أجل نفسها لا من أجل هذه الأمة وهذه الوحدة التي تزداد انفصالاً، كما يقول "نزار":
(وطن يزداد ضيقاً..
لغة قطرية تزداد قبحاً..
وحدة خضراء تزداد انفصالاً..
شجر يزداد في الصيف قعوداً..
وحدود كلما شاء الهوى..
تمحو حدوداً..)
إن أمتنا وأبناء أمتنا يتحدثون عن الوحدة الإسلامية، وعن تفرق المسلمين، وهم أنفسهم وقود يابس لنار الفرقة، وهشيم جاهز لها.
وإذا أراد المسلمون أن يتحدوا فإن على كل واحد منهم أن يطأ عنصر البغض والمنافرة والكراهية من عقله وقلبه ورأيه وعمله ومذهبه، عليه أن يطأ ذلك للأقربين قبل الأبعدين، وللأنا قبل الآخر.
وهل يجوز لثلة من النخبة والمثقفين وطلبة العلم والمهتمين أن يتحدثوا عن تفرق الأمة وهم أداة قوية لهذا التفرق، ويذمون الاختلاف المذموم وهم أرض خصبة لنموّ هذا الاختلاف، بل قد يزرعونه بأيديهم كما تُزرع الفسائل!
ويتحدثون عن بغض الآخر، ويدينون فلسفة الكراهية، وهم يبغضون الأنا قبل الآخر! ويكرهون الأقربين من أمتهم ومجتمعهم؛ فهم يذمون القريب قبل الغريب، ويستبيحون حدود الله وحدود الناس، ويحرمون أعراض أنفسهم.
إن قضية الوحدة الإسلامية يجب أن يمارسها الجميع على كل مستوى، ويسعى لها الكل؛ فهي ليست شعاراً شفوياً، وعلى النخبة والعقلاء العمل على إيجاد منظمات وهيئات وتجمعات إسلامية عالمية مشتركة، أو (كومنولث إسلامي) كما يقول مالك بن نبي، تجمعات اجتماعية وفكرية وثقافية واقتصادية، والمهم أن نجعل (الوحدة الإسلامية) هاجسا للأفراد والمجتمعات.
إن على المسلمين من مفكرين ومثقفين وفقهاء إسلاميين أو غيرهم أن يتجاوزوا حقهم الشخصي أو الفئوي أو الجماعي أو المذهبي إلى حق الأمة الأعظم في الوحدة والائتلاف (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).
--------------------------------------------------------------------------------
* المصدر: موقع الإسلام اليوم
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:26 من طرف ندى الياسمين
» 10 فوائد مفاجئة للعلكة الخالية من السكر
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:17 من طرف ندى الياسمين
» آلام لا يجب أن تتجاهلها الحامل صحة الحامل والجنين.
السبت فبراير 09 2019, 07:07 من طرف ابو جهاد
» الاكل الممنوع للحامل في الشهور الاولى
السبت فبراير 09 2019, 06:53 من طرف ابو جهاد
» كل شيء عن حساسية الجلد عند الاطفال
الأربعاء يناير 30 2019, 07:35 من طرف ابو جهاد
» علاج الزغطة: من الحالات البسيطة الى الشديدة
الأحد يناير 27 2019, 09:24 من طرف ابو جهاد
» فتق المعدة: الأسباب والأعراض والعلاج
الأحد يناير 27 2019, 09:20 من طرف ابو جهاد
» علامات تشير للإصابة بديسك في أسفل الظهر
السبت يناير 26 2019, 08:48 من طرف ابو جهاد
» أمور يجب القيام بها وأخرى تجنبها بعد الجلطة الدموية
الخميس يناير 24 2019, 07:21 من طرف ابو جهاد