السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعلم أن الرضا ثمرة من ثمار المحبة وهو من أعلى مقامات المقربين وحقيقته غامضة على الأكثرين ، وما يدخل عليه من التشابه والإبهام غير منكشف إلا لمن علمه الله تعالى التأويل وفهمه وفقهه في الدين ، فقد أنكر منكرون تصور الرضا بما يخالف الهوى ثم قالوا: إن أمكن الرضا بكل شيء لأنه فعل الله فينبغي أن يرضى بالكفر والمعاصي وإنخدع بذلك قوم فرأوا الرضا بالفجور والفسوق وترك الإعتراض والإنكار من باب التسليم لقضاء الله تعالى.
ولو إنكشفت هذه الأسرار لمن إقتصر على سماع ظواهر الشرع لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال:
" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
فضيلة الرضا:
أما من الآيات:
فقوله تعالى:
( رضي الله عنهم ورضوا عنه )
وقوله تعالى:
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )
ومنتهى الإحسان رضا الله عن عبده وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى.
وقال تعالى:
( ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر )
فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن كما رفع ذكره الصلاة حيث قال:
( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر )
فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنان.
وفي الحديث:
" إن الله تعالى يتجلى للمؤمنين فيقول سلوني فيقولون رضاك "
فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل.
وعلى الجملة:
فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام النظر، فكأنهم رأوه غاية الغايات وأقصى الأماني لما ظفروا بنعيم النظر، فلما أمروا بالسؤال لم يسألوا إلا دوامه وعلموا أن الرضا هو سبب دوام رفع الحجاب.
وقال الله تعالى:
( ولدينا مزيد ).
قال بعض المفسرين:
يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ثلاث تحف من عند رب العالمين:
أحداها:
هدية من عند الله تعالى ليس عندهم في الجنان مثلها.
فذلك قوله تعالى:
( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )
والثانية:
السلام عليهم من ربهم ، فيزيد ذلك على الهدية فضلاً.
وهو قوله تعالى:
( سلام قولاً من رب رحيم )
والثالثة:
يقول الله تعالى: إني عنكم راض فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم.
فذلك قوله تعالى:
( ورضوان من الله أكبر )
أي من النعيم الذي هم فيه فهذا فضل رضا الله تعالى وهو ثمرة رضا العبد.
وأما من الأخبار:
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل طائفة من أصحابه:
" ما أنتم "
فقالوا: مؤمنون.
فقال:
" ما علامة إيمانكم "
فقالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء.
فقال:
" مؤمنون ورب الكعبة ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" من رضي من الله تعالى بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل ".
وقال أيضاً:
" إذا أحب الله تعالى عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه "
وقال أيضاً:
" إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمون فيها كيف شاؤوا ، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب ؟ فيقولون: ما رأينا حساباً ، فتقول لهم: هل جزتم الصراط ؟ فيقولون: ما رأينا صراطاً ، فتقول لهم: هل رأيتم جهنم ؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً ، فتقول الملائكة: من أمة من أنتم ؟ فيقولون: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فتقول: ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا ، فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلغنا هذه المنزلة بفضل رحمة الله ، فيقولون: وما هما ؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا ، فتقول الملائكة: يحق لكم هذا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" من أحب أن يعلم ما له عند الله عز وجل فلينظر ما لله عز وجل عنده ، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه ".
وروي أن موسى عليه السلام قال:
" يا رب دلني على أمر فيه رضاك حتى أعمله ، فأوحى الله تعالى إليه: إن رضاي في كرهك وأنت لا تصبر على ما تكره ، قال: يا رب دلني عليه ، قال: فإن رضاي في رضاك بقضائي."
وفي مناجاة موسى عليه السلام:
أي رب أي خلقك أحب إليك ؟
قال: من إذا أخذت منه المحبوب سالمني.
قال: فأي خلقك أنت عليه ساخط ؟
قال: من يستخيرني في الأمر فإذا قضيت له سخط قضائي.
وقد روي ما هو أشد من ذلك وهو أن الله تعالى قال:
" أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي ولم يرض بقضائي فليتخذ رباً سوائي "
ومثله في الشدة قوله تعالى فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" قال الله تعالى: قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا مني حتى يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني ".
وروي أن آدم عليه السلام كان بعض أولاده الصغار يصعدون على بدنه وينزلون يجعل أحدهم رجله على أضلاعه كهيئة الدرج فيصعد إلى رأسه ، ثم ينزل على أضلاعه كذلك وهو مطرق إلى الأرض لا ينطق ولا يرفع رأسه ، فقال له بعض ولده: يا أبت! أما ترى ما يصنع هذا بك لو نهيته عن هذا! فقال: يا بني إني رأيت ما لم تروا ، وعلمت ما لم تعلموا ، إني تحركت حركة واحدة فأهبطت من دار الكرامة إلى دار الهوان ومن دار النعيم إلى دار الشقاء ، فأخاف أن أتحرك فيصيبني ما لا أعلم.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ، ولا قال لشيء كان ليته لم يكن ، ولا في شيء لم يكن ليتهم كان ، وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضي شيء لكان.
ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام:
يا داود إنك تريد وأريد وإنما يكون ما أريد ، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
وأما الآثار:
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذي يحمدون الله تعالى على كل حال.
وقال عمر بن عبد العزيز:
ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر، وقيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله.
وقال ميمون بن مهران:
من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء.
وقال الفضيل:
إن لم تصبر على تقدير الله لم تصبر على تقدير نفسك.
وعن بعض السلف:
إن الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه.
وقال أبو الدرداء:
ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر.
وقال عمر رضي الله عنه:
ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء.
حقيقة الرضا:
اعلم أن من قال: ليس فيما يخالف الهوى وأنواع البلاء إلا الصبر فأما الرضا فلا يتصور؟
فإنما أتى من ناحية إنكار المحبة. فأما إذا ثبت تصور الحب لله تعالى واستغراق الهم به فلا يخفى أن الحب يورث الرضا بأفعال الحبيب.
ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما:
أن يبطل الإحساس بالألم حتى يجري عليه المؤلم ولا يحس ، وتصيبه جراحة ولا يدرك ألمها.
ومثاله: الرجل المحارب فإنه غضبه أو في حال خوفه قد تصيبه جراحة وهو لا يحس بألم ذلك لشغل قلبه ، بل الذي يحجم رأسه بحديدة كآلة يتألم به ، فإن كان مشغول القلب بمهم من مهماته فرغ المزين والحجام وهو لا يشعر به. وكل ذلك لأن القلب إذا صار مستغرقاً بأمر من الأمور مستوفى به لم يدرك ما عداه.
فكذلك العاشق المستغرق الهم بمشاهدة معشوقه أو بحبه قد يصيبه ما كان يتألم به أو يغتم له لولا عشقه ، ثم لا يدرك غمه وألمه لفرطه استيلاء الحب على قلبه ، هذا إذا أصابه من غير حبيبه! فكيف إذا أصابه من حبيبه؟ وشغل القلب بالحب والعشق من أعظم الشواغل ، وإذا تصور هذا في ألم يسير بسبب حب خفيف تصور في الألم العظيم بالحب العظيم ، فإن الحب أيضاً يتصور تضاعفه في القوة كما يتصور تضاعف الألم ، وكما يقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسة البصر فكذا يقوى حب الصور الجميلة الباطنة المدركة بنور البصيرة ، وجمال حضرة الربوبية وجلالها لا يقاس به جمال ولا جلال ، فمن ينكشف له شيء منه فقد يبهره بحث يدهش يغشى عليه فلا يحس بما يجري عليه.
وأما الوجه الثاني:
فهو أن يحس به ويدرك ألمه ولكن يكون راضياً به بل راغباً فيه مريداً له ، أعني بعقله ، وإن كان كارهاً بطبعه ، كالذي يلتمس من الفصاد الفصد والحجامة فإنه يدرك ألم ذلك إلا انه راض به وراغب فيه ومتقلد من الفصاد به منة بفعله ، فهذا حال الراضي بما يجري عليه من الألم. وكذلك المسافر في طلب الربح يدرك مشقة السفر ولكن حبه لثمرة سفره طيب عنده مشقة السفر وجعله راضياً بها.
ومهما أصابه بلية من الله تعالى وكان له يقين بأن ثوابه الذي ادخر له فوق ما فاته رضي به ورغب فيه وأحبه وشكر الله عليه.
هذا إن كان يلاحظ الثواب والإحسان الذي يجازى به عليه ، ويجوز أن يغلب الحب بحيث يكون حظ المحب في مراد محبوبه ورضاه لا لمعنى آخر وراءه ، فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوباً عنده ومطلوباً ، وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها المتواصفون في نظمهم ونثرهم، ولا معنى له إلا ملاحظة جمال الصورة الظاهرة بالبصر:
1- فإن نظر إلى الجمال:
فما هو إلا جلد ولحم ودم مشحون بالأقذار والأخباث بدايته من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة.
2- وإن نظر إلى المدرك للجمال:
فهي العين الخسيسة التي تغلط فيما ترى كبيراً ، فترى الصغير كبيراً والكبير صغيراً والبعيد قريباً والقبيح جميلاً.
فإذا تصور استيلاء هذا الحب فمن أين يستحيل ذلك في حب الجمال الأزلي الأبدي الذي لا منتهى لكماله المدرك بعين البصيرة التي لا يعتريها الغلط ولا يدور بها الموت بل تبقى بعد الموت ؟ حية عند الله فرحة برزق الله تعالى مستفيدة بالموت مزيد تنبيه واستكشاف ؟
فهذا أمر واضح من حيث النظر بعين الاعتبار، ويشهد لذلك الوجود وحكايات أحوال المحبين وأقوالهم.
وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى:
إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى ذهبت عيونهم في قلوبهم من لذة النظر إلى الله تعالى ثلاثمائة سنة لا ترجع إليهم ، فما ظنك بقلوب وقعت بين جماله وجلاله ؟ إذا لاحظت جلاله هابت وإذا لاحظت جماله تاهت!.
ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما:
أنه اشتكى له ابن فاشتد وجده عليه حتى قال بعض القوم: لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حدث ، فمات الغلام فخرج ابن عمر في جنازته وما رجل أشد سروراً أبداً منه. فقيل له في ذلك ، فقال ابن عمر: إنما كان حزني رحمة له ، فلما وقع أمر الله رضينا به.
وقال مسروق:
كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك ، فالديك يوقظهم للصلاة ، والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خباءهم ، والكلب يحرسهم ، قال: فجاء الثعلب فأخذ الديك ، فحزنوا له وكان الرجل صالحاً فقال: عسى أن يكون خيراً ، ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار فقتله ، فحزنوا عليه فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً ، ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال: عسى أن يكون خيراً ، ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من حولهم وبقوا هم. قال: وإنما أخذوا أولئك لما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة ، فكانت الخيرة لهؤلاء في هلاك هذه الحيوانات كما قدره الله تعالى.
فإذن من عرف خفي لطف الله تعالى رضي بفعله على كل حال.
ويروى أن:
عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجبين بفالج وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيراً من خلقه ، فقال له عيسى: يا هذا أي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك ؟ فقال: يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته ، فقال له: صدقت هات يدك ، فناوله يده فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأفضلهم هيئة! وقد أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه.
إذن الرضا بما يخالف الهوى ليس مستحيلاً بل هو مقام عظيم من مقامات أهل الدين.
ومهما كان ذلك ممكناً في حب الخلق وحظوظهم كان ممكناً في حق حب الله تعالى وحظوظ الآخرة قطعاً.
وإمكانه من وجهين:
أحدهما:
الرضا بالألم لما يتوقع من الثواب الموجود.
والثاني:
الرضا به لا لحظ وراءه بل لكونه مراد المحبوب ورضا له.
فقد يغلب الحب بحيث ينغمر مراد الحب في مراد المحبوب ، فيكون ألذ الأشياء عنده سرور قلب محبوبه ورضاه ونفوذ إرادته ولو في هلاك روحه.
إعلم أن الرضا ثمرة من ثمار المحبة وهو من أعلى مقامات المقربين وحقيقته غامضة على الأكثرين ، وما يدخل عليه من التشابه والإبهام غير منكشف إلا لمن علمه الله تعالى التأويل وفهمه وفقهه في الدين ، فقد أنكر منكرون تصور الرضا بما يخالف الهوى ثم قالوا: إن أمكن الرضا بكل شيء لأنه فعل الله فينبغي أن يرضى بالكفر والمعاصي وإنخدع بذلك قوم فرأوا الرضا بالفجور والفسوق وترك الإعتراض والإنكار من باب التسليم لقضاء الله تعالى.
ولو إنكشفت هذه الأسرار لمن إقتصر على سماع ظواهر الشرع لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال:
" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
فضيلة الرضا:
أما من الآيات:
فقوله تعالى:
( رضي الله عنهم ورضوا عنه )
وقوله تعالى:
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )
ومنتهى الإحسان رضا الله عن عبده وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى.
وقال تعالى:
( ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر )
فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن كما رفع ذكره الصلاة حيث قال:
( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر )
فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنان.
وفي الحديث:
" إن الله تعالى يتجلى للمؤمنين فيقول سلوني فيقولون رضاك "
فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل.
وعلى الجملة:
فلا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام النظر، فكأنهم رأوه غاية الغايات وأقصى الأماني لما ظفروا بنعيم النظر، فلما أمروا بالسؤال لم يسألوا إلا دوامه وعلموا أن الرضا هو سبب دوام رفع الحجاب.
وقال الله تعالى:
( ولدينا مزيد ).
قال بعض المفسرين:
يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ثلاث تحف من عند رب العالمين:
أحداها:
هدية من عند الله تعالى ليس عندهم في الجنان مثلها.
فذلك قوله تعالى:
( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )
والثانية:
السلام عليهم من ربهم ، فيزيد ذلك على الهدية فضلاً.
وهو قوله تعالى:
( سلام قولاً من رب رحيم )
والثالثة:
يقول الله تعالى: إني عنكم راض فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم.
فذلك قوله تعالى:
( ورضوان من الله أكبر )
أي من النعيم الذي هم فيه فهذا فضل رضا الله تعالى وهو ثمرة رضا العبد.
وأما من الأخبار:
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل طائفة من أصحابه:
" ما أنتم "
فقالوا: مؤمنون.
فقال:
" ما علامة إيمانكم "
فقالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء.
فقال:
" مؤمنون ورب الكعبة ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" من رضي من الله تعالى بالقليل من الرزق رضي الله تعالى منه بالقليل من العمل ".
وقال أيضاً:
" إذا أحب الله تعالى عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه "
وقال أيضاً:
" إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمون فيها كيف شاؤوا ، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب ؟ فيقولون: ما رأينا حساباً ، فتقول لهم: هل جزتم الصراط ؟ فيقولون: ما رأينا صراطاً ، فتقول لهم: هل رأيتم جهنم ؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً ، فتقول الملائكة: من أمة من أنتم ؟ فيقولون: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فتقول: ناشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا ، فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلغنا هذه المنزلة بفضل رحمة الله ، فيقولون: وما هما ؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ونرضى باليسير مما قسم لنا ، فتقول الملائكة: يحق لكم هذا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا ".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" من أحب أن يعلم ما له عند الله عز وجل فلينظر ما لله عز وجل عنده ، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه ".
وروي أن موسى عليه السلام قال:
" يا رب دلني على أمر فيه رضاك حتى أعمله ، فأوحى الله تعالى إليه: إن رضاي في كرهك وأنت لا تصبر على ما تكره ، قال: يا رب دلني عليه ، قال: فإن رضاي في رضاك بقضائي."
وفي مناجاة موسى عليه السلام:
أي رب أي خلقك أحب إليك ؟
قال: من إذا أخذت منه المحبوب سالمني.
قال: فأي خلقك أنت عليه ساخط ؟
قال: من يستخيرني في الأمر فإذا قضيت له سخط قضائي.
وقد روي ما هو أشد من ذلك وهو أن الله تعالى قال:
" أنا الله لا إله إلا أنا من لم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي ولم يرض بقضائي فليتخذ رباً سوائي "
ومثله في الشدة قوله تعالى فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" قال الله تعالى: قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع ، فمن رضي فله الرضا مني حتى يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني ".
وروي أن آدم عليه السلام كان بعض أولاده الصغار يصعدون على بدنه وينزلون يجعل أحدهم رجله على أضلاعه كهيئة الدرج فيصعد إلى رأسه ، ثم ينزل على أضلاعه كذلك وهو مطرق إلى الأرض لا ينطق ولا يرفع رأسه ، فقال له بعض ولده: يا أبت! أما ترى ما يصنع هذا بك لو نهيته عن هذا! فقال: يا بني إني رأيت ما لم تروا ، وعلمت ما لم تعلموا ، إني تحركت حركة واحدة فأهبطت من دار الكرامة إلى دار الهوان ومن دار النعيم إلى دار الشقاء ، فأخاف أن أتحرك فيصيبني ما لا أعلم.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ، ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ، ولا قال لشيء كان ليته لم يكن ، ولا في شيء لم يكن ليتهم كان ، وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضي شيء لكان.
ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام:
يا داود إنك تريد وأريد وإنما يكون ما أريد ، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
وأما الآثار:
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما:
أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذي يحمدون الله تعالى على كل حال.
وقال عمر بن عبد العزيز:
ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر، وقيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله.
وقال ميمون بن مهران:
من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء.
وقال الفضيل:
إن لم تصبر على تقدير الله لم تصبر على تقدير نفسك.
وعن بعض السلف:
إن الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه.
وقال أبو الدرداء:
ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر.
وقال عمر رضي الله عنه:
ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء.
حقيقة الرضا:
اعلم أن من قال: ليس فيما يخالف الهوى وأنواع البلاء إلا الصبر فأما الرضا فلا يتصور؟
فإنما أتى من ناحية إنكار المحبة. فأما إذا ثبت تصور الحب لله تعالى واستغراق الهم به فلا يخفى أن الحب يورث الرضا بأفعال الحبيب.
ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما:
أن يبطل الإحساس بالألم حتى يجري عليه المؤلم ولا يحس ، وتصيبه جراحة ولا يدرك ألمها.
ومثاله: الرجل المحارب فإنه غضبه أو في حال خوفه قد تصيبه جراحة وهو لا يحس بألم ذلك لشغل قلبه ، بل الذي يحجم رأسه بحديدة كآلة يتألم به ، فإن كان مشغول القلب بمهم من مهماته فرغ المزين والحجام وهو لا يشعر به. وكل ذلك لأن القلب إذا صار مستغرقاً بأمر من الأمور مستوفى به لم يدرك ما عداه.
فكذلك العاشق المستغرق الهم بمشاهدة معشوقه أو بحبه قد يصيبه ما كان يتألم به أو يغتم له لولا عشقه ، ثم لا يدرك غمه وألمه لفرطه استيلاء الحب على قلبه ، هذا إذا أصابه من غير حبيبه! فكيف إذا أصابه من حبيبه؟ وشغل القلب بالحب والعشق من أعظم الشواغل ، وإذا تصور هذا في ألم يسير بسبب حب خفيف تصور في الألم العظيم بالحب العظيم ، فإن الحب أيضاً يتصور تضاعفه في القوة كما يتصور تضاعف الألم ، وكما يقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسة البصر فكذا يقوى حب الصور الجميلة الباطنة المدركة بنور البصيرة ، وجمال حضرة الربوبية وجلالها لا يقاس به جمال ولا جلال ، فمن ينكشف له شيء منه فقد يبهره بحث يدهش يغشى عليه فلا يحس بما يجري عليه.
وأما الوجه الثاني:
فهو أن يحس به ويدرك ألمه ولكن يكون راضياً به بل راغباً فيه مريداً له ، أعني بعقله ، وإن كان كارهاً بطبعه ، كالذي يلتمس من الفصاد الفصد والحجامة فإنه يدرك ألم ذلك إلا انه راض به وراغب فيه ومتقلد من الفصاد به منة بفعله ، فهذا حال الراضي بما يجري عليه من الألم. وكذلك المسافر في طلب الربح يدرك مشقة السفر ولكن حبه لثمرة سفره طيب عنده مشقة السفر وجعله راضياً بها.
ومهما أصابه بلية من الله تعالى وكان له يقين بأن ثوابه الذي ادخر له فوق ما فاته رضي به ورغب فيه وأحبه وشكر الله عليه.
هذا إن كان يلاحظ الثواب والإحسان الذي يجازى به عليه ، ويجوز أن يغلب الحب بحيث يكون حظ المحب في مراد محبوبه ورضاه لا لمعنى آخر وراءه ، فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوباً عنده ومطلوباً ، وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها المتواصفون في نظمهم ونثرهم، ولا معنى له إلا ملاحظة جمال الصورة الظاهرة بالبصر:
1- فإن نظر إلى الجمال:
فما هو إلا جلد ولحم ودم مشحون بالأقذار والأخباث بدايته من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة.
2- وإن نظر إلى المدرك للجمال:
فهي العين الخسيسة التي تغلط فيما ترى كبيراً ، فترى الصغير كبيراً والكبير صغيراً والبعيد قريباً والقبيح جميلاً.
فإذا تصور استيلاء هذا الحب فمن أين يستحيل ذلك في حب الجمال الأزلي الأبدي الذي لا منتهى لكماله المدرك بعين البصيرة التي لا يعتريها الغلط ولا يدور بها الموت بل تبقى بعد الموت ؟ حية عند الله فرحة برزق الله تعالى مستفيدة بالموت مزيد تنبيه واستكشاف ؟
فهذا أمر واضح من حيث النظر بعين الاعتبار، ويشهد لذلك الوجود وحكايات أحوال المحبين وأقوالهم.
وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى:
إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى ذهبت عيونهم في قلوبهم من لذة النظر إلى الله تعالى ثلاثمائة سنة لا ترجع إليهم ، فما ظنك بقلوب وقعت بين جماله وجلاله ؟ إذا لاحظت جلاله هابت وإذا لاحظت جماله تاهت!.
ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما:
أنه اشتكى له ابن فاشتد وجده عليه حتى قال بعض القوم: لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حدث ، فمات الغلام فخرج ابن عمر في جنازته وما رجل أشد سروراً أبداً منه. فقيل له في ذلك ، فقال ابن عمر: إنما كان حزني رحمة له ، فلما وقع أمر الله رضينا به.
وقال مسروق:
كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك ، فالديك يوقظهم للصلاة ، والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خباءهم ، والكلب يحرسهم ، قال: فجاء الثعلب فأخذ الديك ، فحزنوا له وكان الرجل صالحاً فقال: عسى أن يكون خيراً ، ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار فقتله ، فحزنوا عليه فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً ، ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال: عسى أن يكون خيراً ، ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من حولهم وبقوا هم. قال: وإنما أخذوا أولئك لما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة ، فكانت الخيرة لهؤلاء في هلاك هذه الحيوانات كما قدره الله تعالى.
فإذن من عرف خفي لطف الله تعالى رضي بفعله على كل حال.
ويروى أن:
عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجبين بفالج وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيراً من خلقه ، فقال له عيسى: يا هذا أي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك ؟ فقال: يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته ، فقال له: صدقت هات يدك ، فناوله يده فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأفضلهم هيئة! وقد أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه.
إذن الرضا بما يخالف الهوى ليس مستحيلاً بل هو مقام عظيم من مقامات أهل الدين.
ومهما كان ذلك ممكناً في حب الخلق وحظوظهم كان ممكناً في حق حب الله تعالى وحظوظ الآخرة قطعاً.
وإمكانه من وجهين:
أحدهما:
الرضا بالألم لما يتوقع من الثواب الموجود.
والثاني:
الرضا به لا لحظ وراءه بل لكونه مراد المحبوب ورضا له.
فقد يغلب الحب بحيث ينغمر مراد الحب في مراد المحبوب ، فيكون ألذ الأشياء عنده سرور قلب محبوبه ورضاه ونفوذ إرادته ولو في هلاك روحه.
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:26 من طرف ندى الياسمين
» 10 فوائد مفاجئة للعلكة الخالية من السكر
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:17 من طرف ندى الياسمين
» آلام لا يجب أن تتجاهلها الحامل صحة الحامل والجنين.
السبت فبراير 09 2019, 07:07 من طرف ابو جهاد
» الاكل الممنوع للحامل في الشهور الاولى
السبت فبراير 09 2019, 06:53 من طرف ابو جهاد
» كل شيء عن حساسية الجلد عند الاطفال
الأربعاء يناير 30 2019, 07:35 من طرف ابو جهاد
» علاج الزغطة: من الحالات البسيطة الى الشديدة
الأحد يناير 27 2019, 09:24 من طرف ابو جهاد
» فتق المعدة: الأسباب والأعراض والعلاج
الأحد يناير 27 2019, 09:20 من طرف ابو جهاد
» علامات تشير للإصابة بديسك في أسفل الظهر
السبت يناير 26 2019, 08:48 من طرف ابو جهاد
» أمور يجب القيام بها وأخرى تجنبها بعد الجلطة الدموية
الخميس يناير 24 2019, 07:21 من طرف ابو جهاد