إنذار غزة الأخير
بقلم: فهمي هويدي الحقيقة المسكوت عنها هي أن حصار غزة طبقًا للقانون الدولي يُعدُّ جريمةَ إبادة للبشر، وأن تجويع المحاصرين والامتناع عن إغاثتهم هو جريمة حرب, أما غضُّ الطرف عن ذلك كله فهو جريمة صمت تلاحق المشاركين فيها بالعار والخزي إلى الأبد. (1) يوم السبت الماضي (25/4) نشرت الصحف أن ممثِّلي الدول الكبرى (فرنسا, وأمريكا, وإنجلترا) انتفضوا غاضبين وغادروا قاعة مجلس الأمن؛ أثناء جلسةٍ عُقدَت لاستصدار بيانٍ رئاسي عن الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، وكان مصدر غضبهم أن مندوب ليبيا في المجلس السفير إبراهيم دباش قال في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة: "إن الوضع في قطاع غزة يشبه معسكرات الاعتقال النازية", هذا التشبيه جرح آذان مندوبي الدول الثلاث, فقرَّروا مغادرة القاعة احتجاجًا، وصدر بيانٌ عن البعثة البريطانية لدى المجلس؛ استنكر كلام المندوب الليبي, معتبرًا أن هذه اللغة لا تساعد في تقدُّم عملية السلام, وكانت النتيجة أن عُلِّقت الجلسة, وفشل المجلس في إصدار بيان يحدِّد موقفًا إزاء الحاصل في غزة. من مفارقات الأقدار أنه في الوقت الذي أعلن فيه ممثِّلو الدول الكبرى الثلاث غضبهم إزاء تشبيه ما يحدث في غزة بما جرى لليهود على أيدي النازية الألمانية؛ كانت وكالات الأنباء تبثُّ تصريحًا للناطق بلسان وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) من غزة، أعلن فيه أن حياة مليون فلسطيني أصبحت في خطر، بعد تعليق الأمم المتحدة نشاطاتها في القطاع نتيجة الحصار. ونقلت الوكالات ما قاله ممثِّل الأمين العام للأمم المتحدة في غزة في مؤتمر صحفي من أن نفاد الوقود من شأنه أن يؤديَ إلى وقف جميع العمليات الإغاثية وتوزيع المواد التموينية للأونروا وبرنامج الغذاء العالمي؛ فالمطاحن ستتوقَّف عن العمل, ولن يجد الصيَّادون وقودًا لقواربهم، ولن يتمكَّن المزارعون من ريِّ زراعاتهم, إضافةً إلى شلل الصناعات والمستشفيات العامة، وهذا كله لم يحرِّك شيئًا لدى ممثِّلي الدول الكبرى وغيرهم؛ لأن الفلسطينيين لا بواكيَ لهم!. في اليوم نفسه كانت عدة جمعيات وهيئات فلسطينية قد شرعت في تدشين مقبرة رمزية بالقرب من معبر رفح الحدودي لضحايا الحصار, الذي تسبَّب في موت 136 شخصًا لم يتمكَّنوا من مغادرة القطاع للعلاج في الخارج. (2) الصورة في القطاع أسوأ كثيرًا مما يتصوَّر أي إنسان, حتى إن كل وصف لما يحدث هناك في ظل الحصار يعجز عن نقل الحقيقة كما هي على الأرض, وقد قلت ذات مرة إن القطاع لو أنه كان حديقة حيوانات في أي مكان بالكرة الأرضية لهبَّ المدافعون عن حقوق الحيوان وملؤوا الدنيا ضجيجًا, داعين إلى وقف إبادة الكائنات التي تعيش في أقفاصها, ووراء أسوارها, وبرغم أن "الإسرائيليين" ومن لفَّ لفَّهم نجحوا في نزع الإنسانية عن الفلسطينيين؛ فإن أبواقهم كثيرًا ما ضنَّت عليهم بحقوق الحيوانات. وللتذكرة فقط فإنه عندما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية ( في 25/1/2006م) شدَّدت "إسرائيل" حصارها على قطاع غزة؛ لإجبار حركة حماس على الاستجابة لطلباتها التي تحوَّلت فيما بعد إلى شروط الرباعية الدولية (الاعتراف- وقف المقاومة- تأييد الاتفاقات الموقَّعة مع "إسرائيل"), وحين رفضت قيادة حماس الانصياع لهذه الضغوط استمرَّ الحصار "الإسرائيلي" والدولي؛ برغم صدور قرارٍ من وزراء الخارجية العرب في العام نفسه برفع الحصار, لكنه لم ينفَّذ!. وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في 15/6/2007م شدَّدت "إسرائيل" من حصارها البحري والبري والجوي، وأعلنت غزة كيانًا معاديًا (برغم أنها تحت الاحتلال عمليًّا), وأغلقت المعابر الحدودية للقطاع, ومنعت أهالي غزة من الدخول أو الخروج منه, كما منعت دخول البضائع إلا في حدود ما يسدُّ الرمق, وهدَّدت بقطع الوقود, وفي 18/1/2008م أمر وزير الدفاع "الإسرائيلي" إيهود باراك بإغلاق كل المعابر في قطاع غزة, وبعد ذلك بيومين قطعت "إسرائيل" الوقود بشكل كامل عن القطاع. هذه الإجراءات أدَّت إلى إصابة القطاع بالشلل الكامل؛ الأمر الذي أوقف العمل بجميع أنشطته في مجالات التعليم, والصحة، والصناعة والتجارة والمقاولات, وحين وصل الأمر إلى حدِّ قطع التيار الكهربائي والتحكُّم في الوقود والمياه, ازدادت الأوضاع تدهورًا, وللعلم.. فإن القطاع الذي يبلغ عدد سكانه مليونًا ونصف المليون نسمة 85% من سكانه لاجئون؛ الأمر الذي يعني أن اعتمادهم شبه كامل على وكالة غوث اللاجئين, التي تجلب كل احتياجاتهم من الخارج. حسب تقديرات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار فإن الخسائر الشهرية المباشرة التي يتكبَّدها القطاع منذ منتصف شهر يونيو الماضي تقدَّر بـ45 مليون دولار، والمعلومات كثيرة عن خسائر الأنشطة المختلفة, سواءٌ في تقارير مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية, أو اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار.. من هذه المعلومات على سبيل المثال: * سُرِّح 75 ألف عامل من مجموع 110 آلاف عامل بالقطاع الخاص، أما قدرة ذلك القطاع على الإنتاج فقد تدنَّت إلى 11% من طاقته الطبيعية, وخلال الأشهر الأولى من الحصار خسر رجال الأعمال ما يعادل 100 مليون دولار؛ لأن "إسرائيل" منعت إدخال البضائع التي استوردوها. * بسبب الحصار أُغلق 96% من المنشآت الصناعية (3900 منشأة) التي تعتمد في خاماتها على الاستيراد, وحسب د. جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار؛ فإن ذلك الإغلاق أدَّى إلى إضافة 65 ألف شخص إلى جيش العاطلين عن العمل. * حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المشار إليه؛ فالقطاع يضم70 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة، تنتج ما بين 270 و300 ألف طن من المنتجات الزراعية في العام، توفِّر الغذاء لربع السكان, لكنَّ الإغلاق ومنع إدخال الأسمدة والأدوية الزراعية أدَّى إلى إتلاف 80% من المحاصيل؛ وبسبب هذه المعوقات فإن قطاع الزراعة يخسر يوميًّا نحو نصف المليون دولار. * التجَّار البالغ عددهم 2000 شخص أُوقف نشاطهم، يكفي أن تعلم أن القطاع كان يستقبل يوميًّا 700 شاحنة لنقل البضائع المستوردة, لكن هذا الرقم انخفض إلى نحو 100 شاحنة, وفي حالات الإغلاق الكامل يصل العدد إلى ما دون ذلك. * كل مشروعات البناء التي تنفذها الأونروا توقَّفت, وهي التي كانت تشكِّل مصدر دخل لما يزيد عن 121 ألف شخص, في الوقت نفسه فإن جميع مصانع البناء أغلقت؛ مما تسبَّب في فقدان 3500 وظيفة. * حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة؛ فإن 8 من كل 10 عائلات أصبحت تعيش تحت حدِّ الفقر, وحسب تقرير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان فإن 90% من سكان القطاع أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر. * في بداية السنة الحالية كانت السلطات "الإسرائيلية" قد منعت نحو ألف مريض من السفر لتلقِّي العلاج في الخارج, علمًا بأن في القطاع 450 مريضًا بالسرطان, و400 مريض بالفشل الكلوي, وما بين 400 و450 مريضًا بالقلب لا يجدون علاجًا بسبب نقص الأدوية, وانقطاع التيار الكهربائي, علمًا بأن 450 صنفًا من الأدوية نقصت من الصيدليات والمستشفيات. * توقَّفت مسيرة ربع المليون تلميذ في مدارس القطاع, فلا كتب, ولا كراسات, ولا إمكانات للوصول إلى المدارس من جانب الطلاب والأساتذة, كما مُنِعَ 670 طالبًا من مواصلة دراستهم في الخارج, وفي دراسة أجرتها وكالة (الأونروا) فإن نسبة غياب التلاميذ وصلت إلى 80% في بعض الصفوف, وإلى 90% في صفوف أخرى. (3) حسب المادة السادسة من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ فإن الإبادة عرِّفت بأنها كل تصرُّف من شأنه فرض أوضاع معيشية على جماعة من الناس تؤدِّي إلى تدمير حياتهم كليًّا أو جزئيًّا، وفي المادة الثامنة من القانون الأساسي نفسه تُعرَّف جرائم الحرب بأنها تشمل تجويع البشر، أو تعمُّد منع إيصال المواد الإغاثية لهم. هاتان المادتان مسكوت عنهما تمامًا الآن, ولا أعرف لماذا تجاهلتهما المنظَّمات الحقوقية الفلسطينية والعربية؛ لأنهما تعريان تمامًا الجريمة الراهنة, سواءٌ في شقِّها الخاص بفرض الحصار من جانب "إسرائيل", أو في جانبها المتعلِّق بإيصال المؤن وتيسير الحياة على المحاصَرين؛ فكلتاهما من جرائم الحرب التي تستحق محاكمةً وفضحًا أمام المحافل الدولية. صحيح أن "إسرائيل" تعمد في أغلب الأحوال إلى السماح بإيصال الحد الأدنى من المعونات لمجرَّد أن يبقى الناس على قيد الحياة, دون أن يُسمح لهم بأي نموٍّ أو حركة, إلا أن ذلك النزر البسيط يصيب الحياة في القطاع بالشلل الذي أشرتُ إلى بعض مظاهره, وهو ما ينطبق عليه النص المشار إليه في القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية, الذي يعتبر التدمير الجزئي للمجتمع مما ينطبق عليه وصف إبادة الجنس. حين سألت الدكتور صلاح عامر أستاذ وخبير القانون الدولي في هذه النقطة, كان من رأيه أن ما تمارسه "إسرائيل" في غزة يخوِّل أية دولة عربية موقِّعة على اتفاقية المحكمة الجنائية أن تقدِّم طلبًا إلى المدَّعي العام للتحقيق مع الحكومة "الإسرائيلية" في تهمة الإبادة بالقطاع, وقال: "إن دولتين عربيتين فقط صدَّقتا على تلك الاتفاقية، هما: الأردن وجيبوتي, بالتالي تستطيع الحكومة الأردنية أن تتقدَّم بذلك الطلب". في رأي الدكتور صلاح عامر أيضًا أن مصر في هذه الحالة لها أن تفتح معبر رفح، وأن تديره, دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون الدولي الإنساني, يعزِّز موقفها في ذلك أنها ليست طرفًا في اتفاقية المعابر (التي وُقِّعت بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين")، فضلاً عن أن مدة الاتفاقية كانت لمدة سنة، وتم تجاوزها, ثم إن "إسرائيل" أعلنت انسحابها من القطاع من طرف واحد, ولم تتوقَّف عن ممارسة العدوان على سكانه, ناهيك عن أن الحصار والتجويع يفرضان على دولة جارة مباشرة مثل مصر أن تمارس مسئوليتها الإنسانية والتاريخية في هذا الصدد. (4) ما الذي يمكن أن يحدث إذا لم يقع شيء من هذا ولا ذاك؟ قبل أيام قليلة قرأتُ على شبكة الإنترنت ردًّا على سؤالٍ كتبه الدكتور إبراهيم حمامي، المثقَّف الفلسطيني البارز المقيم في لندن, كان الرد في ثنايا مقالة تحت عنوان: "إنذار غزة الأخير", أشار فيه إلى أن ساعاتٍ باتت تفصلنا عن إعلان بداية تنفيذ الإعدام الجماعي على مليون ونصف المليون فلسطيني, ومع العدِّ التنازلي لإعدام القطاع هناك عدٌّ تنازلي آخر يفرضه القطاع على المشاركين في حصار وقتل أهله؛ ذلك أن ثمة انفجارًا وشيكًا سيكون مدمِّرًا بحجم دمار المعاناة والحصار. وأضاف أن غزة وجَّهت إنذارها الأخير حين أعلنت على الملأ: "لن نموت بصمت, ولن نموت وحدنا", وبعد إعلان ذلك الإنذار على الجميع أن يختاروا: إما رفع الحصار والظلم عن الفلسطينيين الآن أو الانفجار. إن جريمة الصمت عن تنفيذ ذلك الإعدام الجماعي لا تقلُّ فداحةً عن جريمة الفاعلين والمشاركين والمحرِّضين, ويدخل ضمن هؤلاء الذين يحاولون تضليلنا وإعفاء الاحتلال وأعوانه من المسئولية عما جرى ويجري. | ||
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:26 من طرف ندى الياسمين
» 10 فوائد مفاجئة للعلكة الخالية من السكر
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:17 من طرف ندى الياسمين
» آلام لا يجب أن تتجاهلها الحامل صحة الحامل والجنين.
السبت فبراير 09 2019, 07:07 من طرف ابو جهاد
» الاكل الممنوع للحامل في الشهور الاولى
السبت فبراير 09 2019, 06:53 من طرف ابو جهاد
» كل شيء عن حساسية الجلد عند الاطفال
الأربعاء يناير 30 2019, 07:35 من طرف ابو جهاد
» علاج الزغطة: من الحالات البسيطة الى الشديدة
الأحد يناير 27 2019, 09:24 من طرف ابو جهاد
» فتق المعدة: الأسباب والأعراض والعلاج
الأحد يناير 27 2019, 09:20 من طرف ابو جهاد
» علامات تشير للإصابة بديسك في أسفل الظهر
السبت يناير 26 2019, 08:48 من طرف ابو جهاد
» أمور يجب القيام بها وأخرى تجنبها بعد الجلطة الدموية
الخميس يناير 24 2019, 07:21 من طرف ابو جهاد