عمال فلسطين و الموت مع وقف التنفيذ !
كما هي العادة ،فلسطين استثناء ،أو لربما كانت أصل و غيرها هو الاستثناء بعينه ،لا فرق هنا فالنتائج متقاربة بل متطابقة ! فالأصل كما الاستثناء كلاهما له أحكامه الخاصة يدور معها وجوداً و عدما ولا يستقيم تأسيس أحدهما على أحكام الآخر.
لذا أعتقد أنه من المنطقي أن يؤسس كل ما يتعلق بفلسطين و أهلها على قواعد خاصة تختلف في تأصيلها و تفسيرها عما يحتكم له الآخرون ،فليس من المنطق بشيء أن يحتفل منكوبوا فلسطين عفواً عمال فلسطين بالأول من مايو يوماً عالمي للعمال وقد تناقضت العلل هنا ،أليس لكل معلول علة و لكل يوم عالمي للعمال سبب ؟!
في الأول من مايو عام 1889م اندلعت مظاهرات عارمة في الولايات المتحدة و استراليا و المملكة المتحدة و عدة دول أخرى ،قامت بتنظيم تلك المظاهرات نقابات عمالية مختلفة مطالبة بتحسين أوضاع العمال و بضمانات اجتماعية أفضل و حددت مطالبها بيوم عمل من ثماني ساعات فقط!
منذ ذلك الحين و كوكب الأرض يحتفل كل عام بالأول من مايو يوماً عالمي للعمال و لانتصار إرادة الحق على الرأسمالية التي كانت تحتكر آدمية العامل بالشكل الذي يحقق لها أعلى معدلات الربح دون النظر لأي اعتبارات أخرى .
جميل أن يحتفل كوكب الأرض بيوم انتصار إرادة الحق على الظلم و الطغيان و جميل أيضاً أن يخلد عمال الكوكب ذكرى من دفعوا من دمائهم ضريبة انتزاع الحق ،لهم الحق في ذلك ،ولفلسطين و أهلها كل الحق في أن يحتفلوا باستثنائهم على الأصل أو أصلهم على الاستثناء !
لنفصل الأمر:
أدت الظروف الاستثنائية التي مرت بها فلسطين منذ نكبة العام 1948 إلى وجود نوعان من العمل ،الأول داخل ما يسمى بالخط الأخضر أي في أراضي التي احتلت في العام 1948 ،حيث يعمل العامل هناك في ظروف قاسية جداً لدى أرباب العمل اليهود ، يخرج من بيته عند الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل كي يستطيع الوصول إلى عمله عند السابعة أو الثامنة صباحاً بعد أن يتخطى معابر و حواجز الاحتلال التي يستغرق المرور عبرها ساعات و ساعات يتعرض فيها العامل لمعاملة قذرة و لممارسات لا إنسانية من جنود الاحتلال ، بعد رحلة الموت هذه يصل إلى مقر عمله لتبدأ مرحلة الاستنزاف ،ليدفع العامل الفلسطيني من آدميته قرباناً لرب عمله ويحصل في المقابل على قوت أطفاله ،ينتهي يوم العمل و تنتهي معه مرحلة استنزاف رب العمل لهذا الفلسطيني ،و تبدأ رحلة الموت من جديد حين يعود العامل لقريته أو مدينته في الضفة الغربية و قطاع غزة ،هناك من العمال من لا يلتقي بأطفاله إلا يوم السبت من كل أسبوع يوم الإجازة الرسمية ،فالعامل الفلسطيني الذي يعمل داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مضطر للعمل يوم الجمعة و إلا فُصل من عمله !
هؤلاء العمال يقدر عددهم قبل دخول انتفاضة الأقصى في العام 2000 بـ 250 ألف عامل معظمهم حصل على إجازة اليوم العالمي للعمال منذ العام 2000 أي باندلاع انتفاضة الأقصى حتى الآن!
أما الجزء الآخر من عمل فلسطين فيعملون داخل الوطن الذي حددت اتفاقية أوسلو معالمه و حصرته بالضفة الغربية و قطاع غزة ،و بسيطرة مطلقة للكيان الصهيوني و جيش احتلاله على المعابر ليتحكم في كل ما يمر عبر هذه المعابر دون أدنى تدخل من أحد ،هذه المعابر التي تفصل ما بيننا و بين الأشقاء العرب الملتزمون باتفاقيات حسن جوار مع الكيان الصهيوني و اتفاقيات دفاع مشترك ضد كل ما هو إرهابي يهدد استقرار المنطقة حين يطالب بحقوقه لا يمكن لذبابة أن تمر عبرها دون تأشيرة دخول من الكيان الصهيوني. هذه هي سنغافورة الشرق كما رآها صناع أوسلو العتيدة !
و يقدر عدد العمال داخل الوطن الذي حصرته أوسلو بالضفة الغربية و قطاع غزة بـ 450 ألف عامل ،عدد منهم بدأ إجازة اليوم العالمي للعمال منذ أيلول 2000 أي باندلاع انتفاضة الأقصى و ذلك بسبب الاغلاقات المتكررة للمعابر و عدم توافر المواد الخام الأمر الذي أدى لخسائر كبيرة مُني بها أرباب العمل الفلسطينيين فأغلقوا مصانعهم و منشآتهم ، لترتفع بذلك معدلات البطالة لدرجات قياسية و تزداد تبعاً لذلك معدلات الفقر و من هم دون خط الفقر لأعلى المعدلات في المنطقة !
إلى أن جاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 التي استطاعت حسمها حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية مريحة ،ليبدأ بعد ذلك مسلسل الاستنزاف لكل ما هو فلسطيني عقاباً له على خياره الديمقراطي و لرده عن التمسك بحقوقه و ثوابته ، فكانت النتيجة 714 ألف عامل فلسطيني عاطلين عن العمل طبقاً لإحصائيات العام 2007 الرسمية مما يعني أن هناك 714 ألف أسرة فلسطينية ليس لها أي مصدر دخل !
ثم توالت الأحداث الداخلية و حرب الاستنزاف التي وجهت لحركة حماس و للشعب الفلسطيني لحمله على الانقلاب على حركة حماس وانتهت تلك الأحداث بالحسم العسكري في قطاع غزة لقطع دابر من كان يتآمر على إجهاض المقاومة و من تمسك بها و رفض التفريط بحقوق هذا الشعب و ثوابته ،ليشتد بعد ذلك الحصار على قطاع غزة بشكل كامل و على مدن الضفة الغربية المجزئة أصلا ،و يترتب على ذلك نفاذ المواد الخام بشكل كامل و نفاذ الوقود و يدخل قطاع غزة في مرحلة الموت مع وقف التنفيذ و يفقد عمال فلسطين جميعهم أي مصدر للدخل إلا من رحمة الله تعالى !
هذا هو استثنائنا على الأصل أو أصلنا على الاستثناء ،قد نختلف في تأطير الحالة الفلسطينية إن كانت أصل أم استثناء لكننا بالتأكيد سنتفق أن عمال كوكب الأرض أولى لهم أن يجعلوا من كل أيام السنة يوم عالمي للتضامن مع الموتى مع وقف التنفيذ هناك في فلسطين حيث تنقلب كل المعايير فتصبح بلا أي معايير!
فكل عام و عمال فلسطين يدفعون من جوع أطفالهم ضريبة الثبات على أرضهم و مقدساتهم و إن تعاظم خذلان الخاذلين!
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:26 من طرف ندى الياسمين
» 10 فوائد مفاجئة للعلكة الخالية من السكر
الإثنين أغسطس 19 2019, 18:17 من طرف ندى الياسمين
» آلام لا يجب أن تتجاهلها الحامل صحة الحامل والجنين.
السبت فبراير 09 2019, 07:07 من طرف ابو جهاد
» الاكل الممنوع للحامل في الشهور الاولى
السبت فبراير 09 2019, 06:53 من طرف ابو جهاد
» كل شيء عن حساسية الجلد عند الاطفال
الأربعاء يناير 30 2019, 07:35 من طرف ابو جهاد
» علاج الزغطة: من الحالات البسيطة الى الشديدة
الأحد يناير 27 2019, 09:24 من طرف ابو جهاد
» فتق المعدة: الأسباب والأعراض والعلاج
الأحد يناير 27 2019, 09:20 من طرف ابو جهاد
» علامات تشير للإصابة بديسك في أسفل الظهر
السبت يناير 26 2019, 08:48 من طرف ابو جهاد
» أمور يجب القيام بها وأخرى تجنبها بعد الجلطة الدموية
الخميس يناير 24 2019, 07:21 من طرف ابو جهاد